بلدي نيوز - (جبران جلال)
تنتشر حالياً مجموعة من الأخبار المؤكدة حول استخدام نظام الأسد لمحرقة للجثث في سجن صيدنايا العسكري، الذي يشهد يومياً حالات إعدام تتجاوز الخمسين حالة، في ما يمكن تشبيهه بإبادة عرقية طائفية بامتياز، تستهدف المدنيين السوريين المعادين للنظام. حيث أعلنت الولايات المتحدة عن هذا الأمر عبر الناطق باسمها، والذي تحدث عن دلائل على وجود محرقة للجثث في هذا السجن على الأقل.
تعليقا على هذا الأمر، قال المحرر العسكري لبلدي نيوز (راني جابر) "يقتل النظام المعارضين له لمعرفته بأنهم بعد ما لاقوه من عذابات في سجونه فكل ما سيسعون له هو الثأر منه، ما يجعله يسعى لتصفيتهم جسديا بشكل كامل، بدون السماح لهم أو إعطائهم فرصة للخروج من سجونه وتشكيل خطر عليه بانضمامهم إلى الفصائل الثورية المسلحة، التي تشكل تهديداً وجودياً له".
وعن السبب وراء هذه الأعمال والتغير في العقلية القمعية لدى النظام والتي تجلت بالانتقال من السجن لفترات طويلة إلى الإعدام بسرية، قال المحرر العسكري: "هذا المستوى الهائل من الإعدامات يعتبر تغيراً نوعيا في فكر النظام القمعي، فهو كان في السابق يستخدم نموذج قمع يعتمد على السجن أكثر من التصفية الجسدية، ويسعى لقتل عدد من المناوئين لحكمه (الرئيسيين كالقيادات)، ولكنه يسعى لاعتقال البقية وخاصة الأشخاص الثانويين، وتخويف المدنيين بهم، عبر سجنهم وتعذيبهم واضطهاد عائلاتهم، لكن نسبة معتبرة منهم خرجت بعد 15 الى 20 عاماً من السجون، بعد أن تحولت إلى مثال في التعذيب والاضطهاد الذي قد يقع على المدنيين في حال عارضوا النظام أو فكروا مجرد تفكير بالثورة عليه".
ويتابع المحرر العسكري: "لكن يبدو أن هذا النموذج لم يعد يكفي بالنسبة للنظام، فعدل عنه، بعد مشاهدته أنه لم يعد فعالاً، فلجأ إلى الأسلوب الأكثر واقعية بالنسبة له، وهو موضوع التصفية الجسدية، لنسبة أعلى من المعتقلين، ويمكن القول أن 75 إلى 90% من المعتقلين بقضايا تتعلق بمعارضة النظام أو الثورة عليه، والذين أثبت عليهم النظام ذلك أو يشك فيه تعرضوا للتصفية أو سيتعرضون لها، وهذا مرده الأعداد الضخمة التي تحدث عنها الامريكان للمعتقلين الذين يعدمون في سجن واحد وهو سجن صيدنايا، الذي يبلغ قرابة 50 سجينا يوميا، أي قرابة 100 ألف سجين في سجن واحد تعرضوا للتصفية الجسدية المباشرة (معدل 50 سجينا يوميا لمدة قرابة ستة أعوام)، الأمر الذي يشير لحقيقة مرعبة، هي أن الأثر الذي يرغب النظام بإحداثه في بنية المجتمع السوري مختلف عن كل ما قام به سابقا، وهو يمثل رغبته بإبادة أي رغبة بمعارضته، وإفناء جميع خصومه الذين يمثلون تهديداً مستقبلياً عليه، فهو يحسب حساب العودة للحكم، ويحسب حساب التقسيم الذي سوف تتلوه حروب مؤكدة بين الدويلات الناشئة عن عملية التقسيم، ويحسب حساب أن يتسبب بأذية غير قابلة للإصلاح في بنية المجتمع السوري المعارض له، في حين يتكفل العدد الضخم من المعتقلين الذين ليس لهم علاقة بالثورة ممن سيفرج عنهم النظام بلعب الدور النفسي وإخافة المدنيين من معارضة النظام، فهم لم يعارضوه وتعرضوا لكل هذا العذاب فما جزاء من يعارضه! هذا ما يقوله لسان حالهم".
أما عن علاقة تقارير الأمم المتحدة المتعلقة بسجن صيدنايا بالتسريبات الحالية يقول المحرر العسكري لبلدي نيوز "سجن واحد وبحراقة واحدة تسبب بقرابة 100 ألف قتيل، ما يجعل من تقارير منظمات حقوق الإنسان التي تتحدث عن عملية إعدام خمسين شخصا كل أسبوع في السجن، مجرد عملية تجميلية للواقع الذي يحصل فيه، ويجب التحقيق في هذه التحقيقات ومن وراءها وإن كان النظام استطاع اختراق التحقيق، لأن الامريكان يدركون منذ 2015 أن النظام لديه محرقة للجثث البشرية، الأمر الذي لا يمكن أن يخفى على الأمم المتحدة، والتي حسب قولها استندت إلى شهادات حية من ناجين منه، فكيف لم تذكر المحرقة وهذه الأعداد من الشهداء ضمن تقاريرها، والملاحظ لبنية وصياغة التقارير يتأكد أنها ليست مبنية بهدف الإدانة، فقد ركزت على عمليات الإعدام شنقا بعد حصول محاكمة، وليس عمليات إعدام بالشكل المستعمل لدى النظام بشكل أوسع، وهو الاعدام التعسفي أو بدون محاكمة".
ويضيف (جابر) "أما بالنسبة لباقي السجون، فيوجد بلاغات عن فرامتي جثث على الأقل، واحدة في فرع فلسطين وواحدة في مطار المزة العسكري، ومحرقة جثث أخرى في حلب (إضافة لبلاغات عن ما سمي غرفة الخوازيق)، ما يعني وسطياً 400 ألف سوري على الأقل تعرضوا للحرق والفرم في سجون النظام، الأمر الذي يعني أنه أباد قرابة 4% من السكان في السجون، وهي نسبة عالمية غير مسبوقة، عدا عن الكثير من التقارير عن حالات شحن للسوريين إلى إيران لسرقة أعضائهم، وغيرها الكثير، فلو علمنا أن النظام يمتلك على الأقل عشرة سجون مشابهة لسجن صيدنايا في الحجم والدور، فسوف نعلم أن الأمر هو كارثة بكل المقاييس، وقد يكون عدد السوريين الذين قضوا في السجون يتجاوز 600 إلى 700 ألف شخص على أقل تقدير دون أن يعرف لهم أثر".
ولدى سؤاله عن السبب الذي دفع الغرب لإثارة موضوع الحراقات حالياً، يجيب (جابر) بقوله "أما بالنسبة لموضوع الحراقات، والتناول الإعلامي لها، فهو قد يكون له تفسيران، إما أن الغرب يود معاملة النظام معاملة هتلر وهو بذلك يستفز القسم المؤلم في الذاكرة الجمعية للغرب وأوروبا، ويود تذكيره بهلوكوست النازية وإسقاطه على الأسد، أو أنه يود المساهمة في إخفاء جرائم الأسد، بقوله أن الأسد أحرق جميع الأدلة، ولا يوجد ما يمكن استخدامه لإدانته ومعرفة مصير القتلى في سجونه أو تقدير أعدادهم لأن النظام أخفى كل شيء، علماً أن القانون الدولي لا يأخذ إلا بالأدلة المثبتة القطعية التي لا تتحمل أي لبس، ما يعني أن النظام لديه فرصة كبيرة للنجاة من أي محاكمة دولية بسبب طبيعة ونظام هذا الشكل من المحاكم".