بلومفيلد هيلز ولاية ميشيغان – ترجمة بلدي نيوز
في أواخر عام 2011، وبعد أن زحف القتل والخطف والفتنة الطائفية إلى مدينة حمص الممزقة من الاشتباكات، اتخذت أسرة مكونة من أربعة أفراد قراراً حزيناً بالفرار، وحزمت العائلة المكونة من السيد رضوان مغربل، وزوجته سناء حمادة وابنيهما الشابين حقائبهم التي لم تحوي سوى القليل، وأخذوا حافلة إلى دمشق ومن ثم استأجروا سيارة إلى الأردن.
لسنوات، بالكاد استطاعت العائلة تحمل شظف العيش، فلم يكن لديهم ما يكفي من المال للطعام ولذلك حاولوا باستماته الحصول على حق اللجوء، وعندما سألتهم وكالة الأمم المتحدة للاجئين عن المكان الذي يرغبون بالذهاب إليه_ كان الجواب واضح : "أمريكا" قالها السيد مغربل، وهو رجل مسلم قصير القامة، (52) عاماً، منهك، ولكن تضيء وجهه ابتسامة وهو يجلس في غرفة المعيشة العارية الجدران في ضاحية ديترويت: "أحضرونا إلى هنا، والآن أشعر بالأمان، وكأن لا شيء سيء سيحدث لنا، فالآن لدينا حياة جيدة هنا".
لكن هذه الحياة الجميلة قد تزعزعت منذ الهجمات الإرهابية على باريس، واجتاحت العالم موجة مضادة للاجئين، ومشاعر غاضبة معادية للمسلمين، في جميع أنحاء الولايات المتحدة، فالسيد مغربل وعائلته الآن غير مرحب بهما هنا.
فحاكم الولاية ريك سنايدر، والذي تبجح في شهر أيلول علناً عن كون اللاجئين نعمة لاقتصاد ولاية ميشيغان، كان من بين أول عشرين حاكماً جمهورياً قد تعهدوا بأن يبعدوا اللاجئين السوريين عن ولاياتهم للحفاظ على سلامة الأمريكيين من الإرهابيين.
وقد اقترح مرشحو الرئاسة الأمريكية والمسؤولون المنتخبون في جميع أنحاء البلاد بإغلاق المساجد، وجمع اللاجئين السوريين الموجودين فعلياً في البلاد أو إنشاء سجل للمسلمين.
مشاعر كهذه تأججت خاصةً في ولاية ميشيغان والتي لديها واحدة من أكبر وأكثر التجمعات العربية الأمريكية حيوية في البلاد، وتحوي مجموعة من مناصري اللاجئين والذين يسعون لجلب المزيد من السوريين للبلاد.
في ضواحي ديترويت، استبدل اللاجئون الحرب المروعة في الشرق الأوسط_ بشتاء قارس في مراكز التسوق والوحدات المنزلية المتجانسة والتي تشبه لعبة المونوبلي، وقد قبلت الولايات المتحدة أكثر من 1800 لاجئ سوري منذ أكتوبر 2014، كما رحبت ميشيغان بما يقرب من 200 - أي أكثر من أي ولاية أخرى باستثناء كاليفورنيا وتكساس، وقالت إدارة اوباما انها تريد استقبال 10،000 على الأقل في العام المقبل.
غير أن هذه الخطط تتعرض للتهديد تحت وطأة الجدل السياسي المثير للانتقاد من حكام الولايات، حول إن كان هؤلاء اللاجئين والعديد منهم اطفال _ يمثلون تهديداً على البلاد.
ففي يوم الخميس صوت مجلس النواب الأمريكي والذي يسيطر عليه الجمهوريون بأغلبية ساحقة على فرض إجراءات صارمة جديدة على اللاجئين من سورية، وقال حاكم ولاية انديانا الجمهوري مايك بنس بأنه لا يريد أي لاجئين سوريين في ولايته، وتقرر على إثر ذلك انتقال مسار عائلة سورية من انديانا إلى كونيتيكت.
وقال المتحدث ديفيد موراي، شارحاً سبب معارضة السيد سنايدر لاستقبال السوريين في ميشيغان "إن موقف الدولة ثابت بالنسبة لاستقبال اللاجئين ومساعدتهم"، وأضاف "ولكن الأولوية الأولى بالنسبة لنا هو أمن سكان ولاية ميشيغان، فبعد المآسي التي رأيناها في فرنسا ولبنان ومصر في الاسابيع الأخيرة، من الأفضل التروي ومراجعة إجراءاتنا مع الحكومة الفيديرالية".
وبغض النظر عن ذلك، عبر مناصرو اللاجئين عن عدم توقفهم عن مساعدة السوريين للاستقرار هنا، وقد تم توجيه العديد من العائلات السورية الذين انتظروا لسنين الحصول على اللجوء، إلى ميشيغان في الأشهر المقبلة.
وقد أبدى السيد مغربل الذي وصل مع عائلته في شهر تموز، انزعاجه من الاتهامات إلى أن اللاجئين قد يشكلوا خطراً على البلاد: "لم نعبر البلاد بشكل غير قانوني، لقد مررنا من الجحيم حتى وصلنا لهنا".
الهروب من الحرب
بدأ جحيم الحرب في حمص منذ أكثر من أربعة اعوام، عندما شنت حكومة بشار الأسد حملة على المدينة الثائرة، وأصبحت الطوائف الدينية في حالة حرب مع بعضها البعض، بالإضافة إلى مزيج قاتل من التفجيرات والقناصة، كما أجبر العنف العشوائي العديد من السكان على مغادرة منازلهم.
وفي بعض الايام كانت السيدة حمادة تخشى مغادرة منزلها لتشتري الطعام، فتلجأ الأسرة إلى تناول الخبز المتعفن، كما خشيت الأسرة أن يتعرض أولادهما أحمد وصبحي للخطف من قبل قوات الحكومة، تقول السيدة حمادة: "كانت قوات الحكومة تختطف الأطفال من الشوارع وتقوم بضربهم، ولم نرد أن يحصل ذلك لأطفالنا".
حين عقدت العائلة العزم على الفرار، تركوا كل شيء وراءهم: الأثاث، الصور، الملابس، وكان الاستثناء الوحيد هو خاتم الزواج وإسورتين، والذين بيعوا لاحقاً في الأردن مقابل 230 دولار.
الحياة في البلد المؤقت "الاردن" كانت مكلفة وصعبة، وقد توفي شقيق السيد مغربل بنوبة قلبية بعد فراره هو الآخر للأردن، بسبب التوتر، كما قال شقيقه .
وبعد أشهر طويلة ورحلات شاقة لوكالات اللاجئين في عمان لإجراء مقابلات متكررة، كجزء من عملية اللجوء، اكتشفت العائلة أنهم سوف يذهبون إلى الولايات المتحدة.
"كانت حياتنا على وشك تغيير"، يقول السيد مغربل باللغة العربية بمساعدة مترجم "ذهبنا لنضمن مستقبل آمن لأطفالنا، ونعيش حياة سعيدة، في بيئة أفضل، وأن نعامل كبشر حقيقين".
وقبل مغادرته للولايات المتحدة، حضر هو وأسرته أربعة أيام من التوجيه، حيث تعلموا عن طرق الحياة الأميركية، كيفية قيادة السيارة، كيفية رمي قشور الموز وباقي القمامة في سلة المهملات، وليس على الأرض، كما تم توعيتهم أيضاً لما يجب التركيز عليه عند وصولهم، من تعلم اللغة الإنجليزية، البحث عن وظيفة، وذلك لأنه حسب ما أخبروهم _ أمريكا مكان رائع ولكنها تعتمد على العمل كما أن الناس هناك سوف يحترمونهم.
في أول صباح لهم في شقة ميشيغان الجديدة، اندهشت العائلة من المروج والأشجار، يقول السيد مغربل: "خشينا التجول لكي لا نضيع في المدينة، ولذلك اكتفينا بالنظر من وراء النافذة".
"عندما رأيت كل ذلك العشب"، تقول السيدة حمادة، 43 عاماً: "شعرت بأنني ولدت من جديد."
ولكن بعد أربعة أشهر، أصبحت العائلة مستقلة مالياً، فهم يعتمدون على دخل أبنيهما اللذان يعملان في مصنع، في حين أن السيد مغربل والذي كان جزاراً وطباخ في سورية، قد وجد عملاً هنا في مطعم، وبمجرد أن يحسن لغته الانكليزية سيفتتح مطعمه الخاص .
يقول داوود وليد المدير التنفيذي لفرع ميشيغن لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية: "هناك عدد كبير من السوريين هنا، فإن لم يكن للاجئ أقارب هنا فسيكون لديه الكثير من الاتصالات الثقافية، "المجتمع هنا يرحب باللاجئين بغض النظر عن قوميتهم".
وقد شكل العديد من السوريين منظمات تطوعية لمساعدة اللاجئين وتوطينهم ، وقدموا لهم الأثاث والملابس والمواد الغذائية والشقق الرخيصة الإيجار.