بلدي نيوز – درعا (خاص)
مع بدء الحرب التي يشنها نظام الأسد على الشعب السوري، زادت نسبة البطالة بشكل كبير لتصل إلى ما نسبته أكثر من 60 بالمئة في الجنوب السوري، وخاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بعد تدمير عدد كبير من المصانع والمعامل وورشات العمل وتضرر البنية التحتية الاقتصادية بشكل هائل، الأمر الذي كان عاملاً أساسياً في زيادة نسب البطالة بشكل ملحوظ.
يضاف إلى ذلك العقوبات الاقتصادية على النظام والتي انعكست سلباً على الواقع المعيشي للمواطن السوري ومستوى الدخل الذي بلغ أدنى مستوياته مع فقدان الليرة السورية قيمتها نتيجة استهلاك مخزون العملات الصعبة الذي قدر بملايين الدولارات التي تم صرفها على العمليات العسكرية التي ينفذها النظام في مختلف المدن السورية منذ ما يزيد عن ستة أعوام، الأمر الذي أدى لاستمرار النظام في إهمال الجانب الاقتصادي والمشاريع التنموية التي لم تكن تحظى أساساً بأهمية كبيرة لديه، وما فاقم المشكلة الاقتصادية أيضاً إغلاق المعابر الحدودية التي كانت تعتبر شرياناً أساسياً للاقتصاد السوري.
وفي محافظة درعا جنوب البلاد والتي تعتبر شرارة انطلاق الثورة السورية، لم تعتمد المحافظة بشكل أساسي على الوظائف الحكومية، بل كان للهجرة خارج البلاد والعمل في دول الخليج قسم كبير من توجه الشباب بالإضافة للزراعة والعمل بالورشات.
أسباب البطالة في محافظة درعا
زادت معدلات البطالة مؤخراً في مناطق درعا المحررة بكل كبير لتصل نسبتها إلى قرابة الـ60٪ حسب إحصائيات محلية غير رسمية، يأتي ذلك نتاجاً لعدد كبير من الأسباب التي تتفاقم مع مرور الأيام إذ باتت آلاف الدونمات الزراعية وفق "يسار الوطبان مدير المجلس المحلي في قرية غصم" خارجة عن الاستثمار الزراعي بسبب قربها من خطوط الجبهات ومناطق سيطرة النظام الأمر الذي حرم آلاف الأسر من الدخل الذي كانت تنتجه تلك الأراضي ومحاصيلها سنوياً والذي كان يعد دخلاً أساساً لا غنى عنه، كما حرمت عدداً كبيراً من المزارعين وورشات العمل الزراعي من فرص عملهم ليتضرر القطاع الزراعي في حوران بشكل كبير، والتي تعتمد بشكل كبير على الدخل الزراعي، كما تسببت سياسات النظام، بحسب الوطبان، في حصار المناطق المحررة في ندرة وغلاء المواد الزراعية من أسمدة وبذور ومبيدات حشرية وأدوية زراعية وآلات زراعية إضافة إلى ارتفاع تكاليف استخراج المياه فضلاً عن عدم وجود سوق تصريفي لمنتجات الفلاحين مما قلل من نسبة المستثمرين في الزراعة.
ولفت الوطبان إلى أن "عمليات القصف والحرب الدائرة في المحافظة تسببت بعزوف العدد الأكبر من رؤوس الأموال عن الاستثمار أو متابعة استثماراتهم في المناطق المحررة إذ آثر الكثير منهم تصفية مشاريعهم ونقلها إلى الخارج بغية استثمارات أخرى أو نقلها إلى مناطق النظام والتي تعد أكثر أمناً مما يمنع الشباب في المناطق المحررة من فرص العمل بسبب تخوفهم من السوق إلى الخدمة في جيش النظام".
وفي حربها على المناطق الثائرة وخصوصا محافظة درعا انتهجت حكومة النظام وأجهزته الأمنية إجراءات تعسفية وعقابية أفضت إلى فصل آلاف الموظفين من وظائفهم الحكومية بحجج مشاركتهم أو ارتباطهم بتنظيمات "إرهابية"، حتى وصل الفصل لمن يبدي رأياً معارضاً لسياسات النظام حيث أصبح غالبية المفصولين من وظائفهم بلا أعمال نظراً لندرة فرص العمل ومحدوديتها، كما عمد الكثير من أصحاب المهن والورشات إلى ترك أعمالهم في مناطق سيطرة النظام إما بسبب التعدي والنهب لمصالحهم من قبل الميليشيات التي تنتشر في مناطق النظام، وعدم وجود رادع لها وبسبب الاستغلال والسمسرة على حواجز النظام، أو بسبب الخشية من الاحتجاز أو الاعتقال.
جميع تلك الأسباب بالإضافة لأسباب أخرى ضاعفت نسبة البطالة في محافظة درعا من 10٪ في عام 2009 وفق إحصائية رسمية نشرها مكتب الإحصاء آنذاك، إلى 60٪حسب إحصاءات غير رسمية لترتفع بذلك نسبة الفقر إلى أكثر من 70٪ حسب ناشطين.
انعكاسات البطالة ومفاعيلها
انعكست آثار البطالة والحالة الاقتصادية الصعبة في مناطق درعا المحررة على الحالة الاجتماعية والحياتية للفرد، فقد نتج عن ذلك عزوف الشباب عن الزواج بسبب عدم تأمين مصدر دخل يوفر لهم جزءاً يسيراً من الحياة الكريمة البعيدة عن الترف في ظل التحديات المتزايدة والظروف القاهرة التي تعصف بالبلاد، بالمقابل فضل ولاة أمور الفتيات عدم تزويج بناتهم مع تكرار الخطبة وذلك بحجة عدم توفر عمل للخاطبين أو محدودية دخلهم الأمر الذي أدى لاختلال الميزان الاجتماعي لدى الرجال والنساء على حد سواء وأدى لظهور حالات الخطف والزواج غير الشرعي مهدداً بذلك العرف والنسيج المجتمعي.
أما بالنسبة للوضع النفسي قالت "تغريد العامري" وهي مرشدة نفسية في ريف درعا: "يواجه العاطلون عن العمل وخاصة الشباب حالة من الاكتئاب وفقدان الأمل والتململ مما يدفعهم لاتخاذ وفعل أفعال غير صائبة لنسيان واقعهم السيئ".
ووفرت البطالة وفق العامري "بيئة خصبة لالتحاق الشباب بالتنظيمات المتشددة التي تمتلك مناطق نفوذ وموارد دخل وفيرة مما يجعلها تقدم مغريات مالية ورواتب كبيرة لمنسبيها جاذبة بذلك عدداً من الشباب الذين التجأوا لهذا الطريق مرغمين بعد انسداد وانقطاع كافة السبل والحلول الممكنة لتأمين حياة كريمة، ومما ساهم في ذلك استغلال هذه التنظيمات لعاطفة الشباب وغيرتهم وشحذ هممهم بالإضافة لاندفاع الشباب وعدم وجود فرص عمل تملأ أوقاتهم وتسد احتياجاتهم الأساسية".
كما فضل عدد آخر من العاطلين عن العمل التوجه والالتحاق بالفصائل المعتدلة بغية الحصول على معاش ولو أنه قليل، وسلة غذائية تساهم في سد رمق الأسرة".
وازدادت معدلات الجريمة بنسب كبيرة فاقت الستين بالمئة كان سببها البطالة وعدم توفر فرص عمل مما دفع عدداً من العاطلين عن العمل للتوجه للسرقة سواء الفردية أو المنظمة التي تعتبر خطيرة وأصبحت منتشرة مؤخراً بشكل واسع بصورة قطاع طرق يعمدون إلى عمليات السلب والنهب والاختطاف بغية الحصول على فديات مالية ضخمة الأمر الذي أصبح مصدر دخل وفير وجذب عدداً من المقلدين مما يهدد السلامة المجتمعية، فقد يلجأ السارق في بعض الأحيان إلى القتل بهدف السرقة".
كما يلجأ بعض الشباب لمحاولة ملء الفراغ الناتج عن البطالة لديهم بالقيام ببعض الأعمال التي لا تقدم ولا تؤخر بل هي أعمال مجهدة بدنياً وصحياً قد تثمر بندرة شديدة كعمليات الحفر والتنقيب العشوائي اللامنظم عن الآثار والكنوز الذهبية التي تختزنها أرض درعا من مختلف الحضارات التي مرت عليها من بيزنطية ويهودية وتركية،ويأتي سبب ارتياد الشباب لمثل هكذا أعمال لما تحمله القيمة المادية للآثار وارتفاع أسعار بيعها مما يجعل من يحالفه الحظ للقفز من خط الفقر إلى الثراء الفاحش، ولكن مثل هكذا أعمال بغالبيتها العظمى لا ينتج عنها سوى جهد بدني وتعب نفسي بعد تكرار عمليات الحفر الفاشلة.
ويسعى العاطلون عن العمل إلى توفير بدائل اقتصادية عبر بيع التبغ والمحروقات على بسطات تنتشر بشكل عشوائي بالأزقة والشوارع في بلدات درعا المحررة، حيث بلغت البسطات عدداً هائلاً مما ينتج منافسة كبيرة لا تثمر إلا دخلاً متواضعاً ينتج عنه بطالة مقنعة لا تسد الرمق، فعلى سبيل المثال لا الحصر رصدنا بلدة شرق درعا عدد سكانها 10 آلاف نسمة يتجاوز عدد بسطات بيع التبغ والمحرقات فيها الخمسين بسطة عشوائية الانتشار مما يجعلها مصلحة قليلة الربح أو لا تدر أرباحاً نهائياً بسبب المنافسة وكثرة البسطات.
البطالة والهجرة
دفعت ندرة فرص العمل ومحدوديتها ونقص المعاش والمرتب الشهري والصعوبات الاقتصادية والمعيشية اليومية الآلاف من سكان محافظة درعا إلى الهجرة بحثاً عن عمل يوفر لقمة عيش وحياة كريمة، حيث تنوعت وجهات المهاجرين إلى البلدان العربية بشكل قليل بسبب القيود والتحفظات على سفر السوريين التي تفرضها السلطات في غالبية البلدان العربية، إضافة إلى قلة الدعم المقدم لهؤلاء المهاجرين من توفير مسكن مناسب وإعانة شهرية وكثرة القيود على سوريين مثل الأردن حيث تفرض السلطات هناك قيوداً على انخراط اللاجئين السوريين في سوق العمل ووجوب وجود تصاريح عمل وكفلاء وعدة موافقات وأوراق أخرى تجعل من الصعب إيجاد فرصة عمل تؤمن حياة كريمة، وقد رحلت السلطات الأردنية عدداً من العائلات إلى سورية بحجة العمل غير المصرح به.
كل ذلك جعل البلدان الأوروبية الوجهة المحبذة لدى الراغبين بالهجرة، بما توفره هذه الدول من مساعدات ورواتب شهرية وفرصة إكمال الدراسة والانخراط في سوق العمل بعد إجراءات لدمجهم بالمجتمع، وساعد في ذلك حاجة البلدان الأوروبية لليد العاملة الشابة مما جعلها تقدم تسهيلات ومغريات لحملة الشهادات والكفاءات لتوظيفهم في البلاد.
وعن تأثيرات الهجرة قال "أبو احمد" وهو صاحب ورشة خياطة: "تأثيرات الهجرة كثيرة ومعظمها سلبية على اليد العاملة في المناطق المحررة حيث تسببت في زيادة عدد العاطلين عن العمل وذلك بسبب هجرة أصحاب المهن والورشات والمحال الكبيرة مثلي التي كانت توفر فرصاً لا بأس بها لليد العاملة".
اقتراحات وحلول
يرى"محمد السلامات" أحد خريجي كلية الاقتصاد أن "أبرز الحلول المطروحة هو تشجيع المستثمرين ورجال الأعمال على إقامة مشاريعهم واستثماراتهم في مناطق درعا المحررة وذلك عبر إعطائهم ضمانات من تأمين الحماية اللازمة لسير أعمالهم وصون مصالحهم بحيث يضمن النفع على المستثمر والعامل في آن واحد إلا أن هذا الأمر يعيقه مخاوف تتعلق باستهداف النظام لأي منشآة لا تخضع لرقابته وسلطته مما يقلل من احتماليات هذا الحل وتنفيذه على أرض الواقع إلا في حال تقديم ضمانات دولية وإنشاء مناطق آمنة أو تثبيت وقف إطلاق نار حقيقي في سورية".
وتواصل الورشات والمعامل الصغيرة نسبياً عملها في المناطق المحررة وذلك بسبب سهولة نقل معداتها بين المناطق الآمنة ومناطق الاشتباكات إلا أن هذه الورشات لا تؤمن فرص عمل كبيرة وذلك لأنها صغيرة ورأس مالها ضئيل يحتاج إلى دعم وتنمية من شأنه رفع القدرة الاستيعابية العمالية وتخفيف وطأة البطالة، كما يجب دعم مشاريع التي تنفذها مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني كورشات الخياطة وورشات الصيانة، ومشاريع الثروة الحيوانية كمزارع الأبقار والأغنام التي بدورها تساهم بتأمين فرص عمل جيدة.
ويجب التأكيد على ضرورة دعم القطاع الزراعي في حوران بصفته مردوداً اقتصاديا هاماً يجب الاستثمار فيه بشكل كبير نظراً لانتشار الأراضي الخصبة والمزارع والآبار لخبرة أهالي حوران في الزراعة التي تمتد منذ آلاف السنين، حيث يجب توفير الأسمدة الجيدة والأدوية النباتية بشكل كاف على مدار الموسم وتوفير البذار الجيدة والشتلات بالإضافة لتقديم قروض للفلاحين لتوسيع زراعتهم مما يوفر عدداً هائلاً من الوظائف الموسمية في ورشات الحصاد والقطاف وورشات العناية بالمحاصيل التي من شأنها مساعدة العاطلين عن العمل.