الحسكة (بلدي) - منذ دخول تنظيم (الدولة) إلى حي النشوة في الجزء الغربي من مدينة الحسكة بتاريخ الثالث والعشرين من شهر حزيران (يونيو) وتمدده إلى أبنية المساكن الشبابية وحارة الليلية المجاورة للحي، نزح سكان الحي وما يجاوره من منازلهم حتى سكان حي حوش الباعر "الزهور" جنوبا الذي تدور فيه معارك كر وفر.
وتوجه قسم من الأهالي إلى أحياء أبعد وآخرون إلى خارج المدينة، خوفاً من تمدد رقعة القتال إلى جميع الأحياء، وكذلك فعل سكان حي غويران والقرى المجاورة له، يوم تسلل عناصر من التنظيم إلى الحي في السابع والعشرين من الشهر نفسه، قبل أن تتمكن قوات النظام من استرجاع الحي خلال يومين.
ومنذ ذلك الحين تتمركز قوات النظام وملحقاتها من المليشيات التطوعية بمنازل المدنيين، حيث عاثوا بممتلكات الأهالي خراباً وسرقةً، عدا عن تضرر عشرات المنازل بفعل القذائف وغارات طيران النظام، وانفجار سيارات التنظيم المفخخة، والحرق انتقاماً من قبل تنظيم (الدولة).
كذلك ومنذ الإعلان عن استعادة قوات النظام حي غويران في التاسع والعشرين، يتجمهر المئات من أهالي الحي "نساء ورجال" بشكل يومي أمام ساحة الساعة وعلى امتداد الشوارع المجاورة للجسر المؤدي للحي على أمل السماح لهم بدخول الحي لتفقد منازلهم، إلا أنه (النظام) لم يسمح لهم بعد بالدخول، بحجة "انعدام الأمان وعدم الاستقرار"، نتيجة وجود عناصر التنظيم وقناصيه بمحيط الحي، واستمرار الاشتباكات هناك واحتمالية تسلل التنظيم للحي مرة أخرى.
ورغم هذا تمكن أفراد من الدخول والخروج لحيهم في فترة من الفترات بعد توفر شرط لذلك وهو "معرفتهم بعنصر من قوات النظام" ليرافقهم حيث شاهدوا في الشوارع جثثا لمدنيين، وكانت أبواب جميع المنازل مفتوحة ومسرقة مع المحال التجارية والصيدليات.
وكان يتمركز في المنازل بشكل متناوب عناصر قوات النظام ومتطوعو ميليشيات "الدفاع الوطني وكتائب البعث" وعناصر "الشعيطات"، وهم أفراد من قبيلة "الشعيطات" بمحافظة دير الزور، كان قد استدعاهم القائد العسكري للمنطقة الشرقية اللواء "محمد خضور"، جراء نقص بعدد القوات في الحسكة.
وتتصف مشاركة "الشعيطات" بقطع رؤوس قتلى عناصر تنظيم (الدولة) بالسيوف على طريقة التنظيم نفسه، بسبب وجود ثأر ما بين الطرفين منذ أن قام التنظيم بارتكاب مجزرة مروعة، جزت فيها رقاب المئات من أبناء قبيلة "الشعيطات" في ريف دير الزور.
أما بالنسبة لحي النشوة والمناطق السكنية المجاورة التي امتدت إليها الاشتباكات، وبالرغم من تقدم قوات النظام مؤخرا في أجزاء منها، إلا أنه لايزال عناصر التنظيم متمركزين فيه، ولهذا فلا أمل لأهالي تلك المناطق التي أصبحت ساحة قتال بالعودة قريبا إلى منازلهم أو ما تبقى منها.
في أول أيام عيد الفطر صرح محافظ الحسكة لعدد من أهالي غويران بعد صلاة العيد في أحد المساجد أنهم سيعودون ثاني أيام العيد وسرعان ما انتشر الخبر، ويتجدد معه أمل الخلاص من معاناة النزوح، لتجتمع أعداد كبيرة في اليوم التالي عند ساحة الساعة في الشوارع وتفرعاتها وعلى الأرصفة منذ الصباح الباكر حتى الظهر بانتظار السماح لهم بالدخول، إلا أنهم كالعادة لم يدخلوا وكانوا يتلقون وعودا كاذبة.
(شبكة بلدي) التقت عدد من أهالي غويران أمام ساحة الساعة وتحدثوا عن معاناتهم بالنزوح، حيث يقول "أبو أحمد": "نزحت بالبداية مع عائلتي المكونة من 9 أفراد إلى بلدة تل تمر شمالاً مع جموع من الناس ولدى وصولنا كان عناصر من القوات الكردية باستقبال الحافلات التي كانت تنقل النازحين فنقلونا إلى مدرسة".
ويضيف: "بقينا يومين قبل أن يطلبوا منا المغادرة في اليوم الثالث إلى مخيمات بلدة المالكية الحدودية مع العراق، فرفضت أنا وعدد من العوائل وقررنا العودة إلى الحسكة ولدى وصولنا اتجهنا نحو حديقة قبل أن تفتح لنا مدارس داخل مركز المدينة، فذهبنا لها حيث لا كهرباء ولا ماء ولا طعام".
ويؤكد الرجل المسن: "لم نستلم أية مساعدات عاجلة وقتها إلا بعد مدة"، مستدركاً: "أنا وبناتي وأطفالي نتنقل كل مدة بين منازل الأصدقاء، ولم نستلم مساعدات إغاثية ونتشارك مصروف الطعام مع أخوتي لأننا جميعا بوضع مادي سيئ".
وتقول امرأة رفضت الكشف عن اسمها: "أنا وطفلي وزوجي ووالديه نعيش بالأجرة منذ فترة في قبو صغير بأحد الأبنية في مركز المدينة، ولم يسمح لنا بالاستئجار في الأحياء التي تسيطر عليها القوات الكردية، بسبب منعهم من تأجير نازحي غويران والنشوة والعرب بشكل عام، حتى خارج الحسكة، وأصبحنا كأننا في بلد آخر ولسنا بمدينتنا وليس من حقنا أن نعيش أو نلتجأ في أي مكان فيها".
ويقول شيخ مسن: "كنا في حديقة ألعاب مع عدد قليل من العوائل فأخرجونا منها كي تعمل الحديقة في العيد وانتقلنا لحديقة صغيرة، قضيت ثلاث ليالي أنام فيها على رصيف الشارع، قبل أن يأتي أعضاء المكاتب التنفيذية مع عساكر ليطلبوا منا إخلاء الحديقة والانتقال إلى مدرسة سيتم افتتاحها لنا وتحدثوا معنا بأسلوب سيئ ووقح".
سعيد طالب جامعي نزح مع أهله إلى مدرسة في أطراف المدينة الشمالية، يصف تجربة النزوح مختصرا شعور الكثيرين، وقد بان على وجهه التعب النفسي والحزن كوجوه ممن حوله: "النزوح إحساس بالذل يكبر كلما طالت مدة النزوح ولا ينتهي إلا عندما يعود النازح لبيته وجميعنا نتوق للعودة، والحال لم يعد يطاق لا نفسيا ولا كوضع معيشي، أينما التجأنا سواء عند أقارب أو غرب أو بحدائق ومدارس".
ورغم أنها ليست المرة الأولى التي ينزح فيها سكان غويران وتتدمر منازلهم وممتلكاتهم وتسرق فقد عانوا ما عانوه خلال الأعوام الأربعة الأخيرة من قوات النظام وملحقاتها من الميليشيات التطوعية، إلا أنهم اليوم يعيشون أطول فترة نزوح تمر عليهم وعلى جيرانهم في الأحياء المحيطة المتضررة، وبات مصير عودتهم، مرتبط بانتهاء نظام وتنظيم أنهكوهم بالسرقة والتدمير.