بلدي نيوز – (نجم الدين النجم)
تصدرت معركة "الرقة" -التي تسعى واشنطن وحلفاؤها على الأرض السيطرة عليها- المشهد الإعلامي الدولي، كونها تستهدف الموقع الأهم لتنظيم "الدولة" في سوريا والعراق، ليصبح طرد التنظيم" هو الهدف الرئيسي للحملة، وكل ما يحيط بهذه الحملة شيئاً ثانوياً من قتل المدنيين بشكل متعمد وتهجيرهم.
وتناقلت وسائل الإعلام المحلية والدولية تفاصيل المرحلة الثانية من عمليات "غضب الفرات" التي بدأتها ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بداية هذا العام، حيث جرى التحشيد الإعلامي لتحرير الرقة من قبضة التنظيم بكثافة خلال الأشهر الماضية، خصوصاً بعد تولي دونالد ترامب دفة القيادة في البيت الأبيض، وتصريحاته حول ضرورة القضاء على الإرهاب في أسرع وقت ممكن، دون الحديث عن التفاصيل المتعقلة بهذه العملية، ومكاسبها وخساراتها، ودون التطرق إلى مستقبل هذه المنطقة الاستراتيجية ومكانها الطبيعي في ظل الصراع للحصول عليها، ما بين الأحزاب الكردية الانفصالية، وتركيا المتخوفة من إنشاء أي إقليم في الشمال السوري كونه سيكون امتداد لحزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم المنظمات الإرهابية، وكذلك نظام الأسد ومن خلفه روسيا التي تزاحم الولايات المتحدة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، والأخيرة التي تنوي ربط مناطق نفوذها في شمال العراق مع منطقة مشابهة تنوي تشييدها في الشمال السوري بشكل منفرد، تستغني من خلالها عن مواقعها العسكرية في بعض مناطق الجنوب التركي، ووضع قدم جديدة في الشرق الأوسط الذي تركه الرئيس السابق أوباما إلى الإيرانيين والروس.
قتلت الغارات الأمريكية المساندة لميليشيات "قسد" المئات من المدنيين في مدينة الرقة وأريافها، خلال الأشهر الماضية، حيث ازدادت حدة القصف وارتفع عدد الضحايا بشكل مرعب، وقالت منظمة AIR WARS أن ما يزيد عن 440 مدني قتلوا خلال الأسبوع الماضي بضربات لطيران التحالف في سوريا، وتأتي هذه الإحصائية بالتزامن مع مجزرة مروعة، ارتكبتها طائرات أمريكية في مدرسة البادية التي تحتضن أكثر من 50 عائلة من النازحين من أرياف حمص وحلب والرقة، راح ضحيتها أكثر من 200 مدني، والعشرات من الجرحى، في ظل انعدام وجود أي مستشفيات أو خدمات طبية في المنطقة، ما فرض أسئلة كثيرة حول هذه المعركة الجوية التي تريد فرضها أميركا، لتحرير الرقة، ضاربة عرض الحائط بأرواح المدنيين الذين من المفترض أنها جاءت لتحريرهم، لا لحرق الأرض بمن فيها.
وتسلّم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في ٢٧ فبراير/شباط الماضي، الخطة التي أعدها البنتاغون للهجوم على مدينة الرقة، وأشارت وسائل إعلامية أميركية أن ترمب وجه قراراً بتعديل القيود المفروضة من قبل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما على قواعد الاشتباك العسكرية، والتي تتضمن تجنب سقوط ضحايا بين المدنيين أثناء العمليات العسكرية، إلا أن الحرب على الإرهاب يبدو أنها تضمنت المدنيين أيضاً، وفكرة أن الرقة "عاصمة الخلافة" أتت أُكلها حتى في استراتيجيات التحالف الدولي وحلفاءه، وتلاشت الحقيقة الماثلة بأن أهالي الرقة يقبعون عنوة تحت سيطرة التنظيم ولا ذنب لهم.
حول هذا الموضوع يقول الكاتب والصحافي السوري "أحمد مظهر سعدو" لبلدي نيوز: "لم يكن تدخل الأمريكيين في وقت قصير أو مستعجل، بل هناك اشتغال عليه، منذ إدارة أوباما، وهناك عمل يجهز منذ فترة طويلة، ويبدو أن الوقت قد حان لمرحلة أُخرى مع وصول معركة الموصل إلى نهاياتها "، مضيفاً "الأميركان يجهزون ذلك مع (وحدات حماية الشعب) ومع الاتراك وسواهم، ومع ذلك فلا أعتقد أن إدارة ترامب باتت مستعجلة في إنهاء وضع (تنظيم الدولة) في الرقة أو سواها".
وحول مكاسب وخسائر هذه المعركة بالنسبة لأهالي الرقة، يقول سعدو أنه "لا شك بأن الأميركي تهمه مصالحه أولًا وقبل أي شيء، وآخر همه الشعب السوري، أو المدنيين في الرقة، ولسوف يخسر أهلنا في الرقة الكثير، والمزيد من الشهداء، وهو ما لاحظناه خلال الأيام الأخيرة، عبر هذا الاستهتار بأرواح المدنيين، وهذا القتل المجاني، الذي لا يعرف أي قيمة لمدني في أي مدينة أو ريف، وشعب الرقة سوف يطاله الكثير من الموت بكل أسف، ولن يكون هناك من يحميه، لا وحدات (حماية الشعب) ولا التحالف ولا الأميركان".
ويرى الكاتب السوري أن أميركا جاءت لتحقيق المكاسب فقط وليس بغية تخلص أحد من ظلم واقع عليه، قائلاً "جاءت الولايات المتحدة لتحقيق المزيد من المصالح، والكثير من النفوذ، وليس سوى ذلك، ولا يبدو أن هناك من يستطيع لجمها عن ذلك، ولا يبدو أن الواقع السوري الذي لا يخفى على أحد بقادر أن يقول لا لقتل المدنيين، أو وقف هذه المعركة في وقت باتت فيه مسألة محاربة الإرهاب هي الأهم من ثورة السوريين أو الوصول إلى تغيير الطغاة في دمشق، الذين يحرقون الوطن، ويتجاوزون في غيهم تنظيم الدولة أو أي إرهاب آخر.. فلا إرهاب أعلى من إرهاب السلطة الأسدية".
ويضيف "تتعامل الولايات المتحدة مع قضية الإرهاب الذي يمارسه تنظيم "الدولة" على أهالي الرقة، وكأنه إرهاب منفصل عن كتلة الإرهاب الكبيرة التي يعيش وسطها الشعب السوري في معظم المدن والمناطق، ومن نافل القول أن نعتبر حرب الميليشيات الانفصالية في الرقة المسيرة أمريكياً، ما هي إلا حرب للسيطرة وتحصيل المكاسب على الأرض وفي ميادين السياسة الدولية، لا حرب للتحرير ولا للمساعدة".
يقول الدكتور "عبد القادر العلي" من أهالي محافظة الرقة لبلدي نيوز: "هذه الخطة الامريكية التي تنفذ اليوم ليست جديدة، لكن جهلنا بها هو ما يجعلنا نعتبرها جديدة، أما هذا التدخل المكثف برأيي نتاج السياسة الجديدة لترمب لتسجيل موقف ونجاح يحسب له ضد الإرهاب، فهو سيخرج من هذه المعركة رابحاً مهما كانت الخسائر".
ويرى الدكتور العلي أن "القضاء على تنظيم الدولة خطوة أمريكية لا بد منها في هذه المرحلة الحساسة دولياً، فترمب يريد التفرغ لتطبيق رؤاه السياسية والاقتصادية العالمية وإعادة ترتيبات السياسة الامريكية التي عبثت بها سياسة أوباما وجعلت من أقزام إقليمية دولاً مؤثرة بالمنطقة"، مضيفاً "أمريكا لا تقبل أن تتغير خارطة القوى دون إرادتها، أما المكاسب التي تريدها أمريكا فقد حصلت عليها بالفعل من خلال تواجدها في أكثر من مكان في شمال سوريا، ولن يخسر أحد إلا الشعب السوري المسكين في كل المعارك الدائرة اليوم".