تايمز أوف اسرائيل – (ترجمة بلدي نيوز)
بعد ست سنوات من بدء الحرب السورية والتي وصفها رئيس منظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان "زيد رعد الحسين" بأنها "أسوأ كارثة من صنع الإنسان منذ الحرب العالمية الثانية"، جاءت أخبار مشجعة من أستانا، كازاخستان، الأسبوع الماضي- حيث بدأت جولة جديدة من المحادثات التي تقودها روسيا حول المصالحة في سوريا بإعلان تشكيل فريق خاص للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار على الأرض، وسيكون أعضاء الفريق: تركيا وروسيا وإيران.
ووفقاً لبيان ألكسندر لافرنتيف، رئيس الوفد الروسي إلى المحادثات، اتفق الطرفان على تقديم خرائط تبين مواقع الجماعات الإرهابية مثل الدولة الإسلامية وجبهة فتح الشام (المعروفة سابقاً بجبهة النصرة).
ولكن في حال اعتقد أي شخص، ولو لحظة، أن هناك ضوء في نهاية هذا النفق الغارق بالدماء، فإن التقارير الواردة من دمشق ستعدينا إلى الواقع: مع هجومان إرهابيان، أحدهما في القصر العدلي في دمشق والآخر في مطعم قريب بمنطقة الربوة، أسفرا عن مقتل أكثر من 25 شخصاً.
وهي رسالة لا لبس فيها إلى أي شخص يعول على العودة إلى الماضي وإعادة إنشاء سورية الكبرى، فالبلد التي كانت قبل ست سنوات لم يبق منها الكثير، فقد لقي ما يقرب من نصف مليون شخص مصرعهم وجرح الملايين، وشرد خمسة ملايين شخص من منازلهم، إما كنازحين داخلياً أو كلاجئين (خمس السكان البالغ عددهم حوالي 22 مليون نسمة). كما سحق الاقتصاد السوري وهياكله الأساسية في حالة خراب، ويعاني سكانه من نقص مستمر في الطاقة والمياه والعلاج الطبي المناسب.
وما بينته محادثات أستانا بشكل واضح هو أن سوريا لم تعد في أيدي السوريين، بل بيد خليط غير مقدس من القوى العظمى وغيرها من المصالح الأجنبية والتي تهدف إلى إعادة تشكيل خريطة ما كانت عليه سوريا.
ولا يزال شريط الساحل السوري والعديد من المدن الرئيسية بيد بشار الأسد (الرئيس الاسمي) وهذه المنطقة المعروفة باسم "علوستان" والتي تعود للطائفة العلوية المهيمنة سياسياً –تُعرف بالنسبة للمسؤولين الإسرائيليين باسم "أسدستان" (لأن السكان السنة هم الأغلبية في تلك المناطق بما يقرب من 70 % وليس العلويين)، في حين أن بقية المناطق تنقسم بين الجماعات الثورية المعتدلة والمتطرفين مثل الدولة الإسلامية وجبهة فتح الشام والأكراد وتركيا.
ولكن الصورة أكثر تعقيداً، فتأثير اللاعبين الأجانب في سوريا مثل روسيا والولايات المتحدة، وبطبيعة الحال، إيران، بات واضحاً في تلك المناطق أيضاً، وأدى ضعف الدولة الإسلامية في المنطقة وفقدانها للأراضي التي كانت تسيطر عليها بسبب الهجمات الجوية الأمريكية الضخمة، من بين أمور أخرى إلى ترسيخ النفوذ الإيراني الكبير في جميع أنحاء سوريا، وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد.
وتستفيد القوة العظمى الإقليمية "إيران" من الحرب السورية، فهي تحل محل تنظيم الدولة الإسلامية كما فعلت في العراق، ويبدو أنها الرابح الأكبر من الربيع العربي في المنطقة الممتدة من طهران إلى اللاذقية وجنوبها إلى بيروت.
والهلال الشيعي، الذي حذر منه الملك عبد الله الأردني منذ أكثر من عقد من الزمن، يجمع قوة لم يسبق لها مثيل في المنطقة حتى من دون امتلاك قنبلة ذرية ومع تجميد برنامجه النووي.
إيران تستحوذ على مساحات واسعة من الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط؛ فقد سيطرت على العراق وطردت الدولة الإسلامية من هناك باستخدام الميليشيات الشيعية تحت قيادتها. وكان موقع "والا" الناطق باللغات العبرية قد أعلن الاسبوع الماضي أن إيران تمهد لإنشاء طريق سريع "عبر العراق" من إيران الى سوريا.
وتؤثر طهران تأثيراً هائلاً على ما يحدث في سوريا عسكرياً واقتصادياً، فهي تسيطر على اتصالات الخليوي في جميع أنحاء العراق والآن في سوريا، وكما ذكر في محادثات بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو في وقت سابق من هذا الشهر، تعمل إيران على بناء ميناء في اللاذقية، على ساحل البحر الأبيض المتوسط في سوريا!
ومع أن إيران لم تبدأ بعد في البناء، فقد قدمت مشروع اقتراح الميناء للأسد، والذي يميل نحو الموافقة عليه، ويذكر الاقتراح بعبارات بسيطة أن إيران ستستأجر الأرض في سوريا وستستخدمها لإنشاء القاعدة البحرية.
وسيكون الميناء تحت السيادة الإيرانية بكل الطرق، ولن يكون للسوريين أي علاقة به! وبعبارة أخرى، سيكون مثل القاعدة البحرية التي أنشأها الروس في طرطوس، حيث سيتم تأجير الأرض للإيرانيين لمدة خمسين عاماً.
وتأثير إيران في سوريا لا ينتهي هنا، فهناك ما يقرب من 1300 إلى 1500 جندي إيراني بين مقاتلين واستخبارات وأعضاء من الحرس الثوري، وموظفي خدمات لوجستية وغيرها - يعلمون حالياً هناك (ووفقاً للتقييمات الإسرائيلية، قد قتل بين 150 إلى 200 إيراني حتى الآن في سوريا).
وبالإضافة إلى ذلك، هناك الميليشيات الشيعية الممولة من إيران للقتال على الأراضي السورية، والتي يبلغ عددها ما بين 7000 و 10،000 مقاتل، قدموا من أماكن بعيدة مثل باكستان وأفغانستان، بالإضافة إلى مقاتلي حزب الله الشيعي، وهم حوالي 8000 شخص يتلقون الأوامر من طهران .
وقامت إيران في الأشهر الأخيرة بأكثر من مجرد نقل الأسلحة إلى حزب الله والمليشيات الشيعية في سوريا ولبنان، فوفقاً لتقرير صدر مؤخراً في صحيفة الجريدة الكويتية، بدأت طهران تسريع جهودها في التسلح من خلال إنشاء مرافق لتصنيع الصواريخ في تلك البلدان، ويشرف الحرس الثوري الإيراني على هذه المرافق، التي هي عميقة تحت الأرض، في كل من سوريا ولبنان!
والأسلحة التي يتم تصنيعها هناك تسبب القلق فهي ليست صواريخ عادية تضاف إلى الترسانة العادية المعتادة؛ لأنها دقيقة بشكل خاص. وانتشار إيران في حقبة ما بعد الربيع العربي لا يتوقف بين طهران واللاذقية وبيروت؛ ففي الواقع، تمتد أسلحتها إلى اليمن وقطاع غزة.
وهكذا، مع دخول الحرب في سوريا عامها السابع، يمكن للمواطنين الباقين في هذا البلد والشرق الأوسط ككل... أن يتنفسوا الصعداء لأن سيطرة داعش في المنطقة تضمحل، ولكن النفوذ الإيراني الذي حل محله ويتزايد، سيكون له آثار قاسية على السنة في المنطقة... ويبدو في الأفق أن المنطقة لن تنعم بالهدوء أو الاستقرار جراء ذلك.