بلدي نيوز - (أيمن محمد)
تسربت العديد من الوثائق المتعلقة باجتماع أستانا، وحسب الوثائق المسربة، يقترح اجتماع أستانا إنشاء "لجنة لصياغة الدستور"، مؤلفة من 24 عضواً بينهم 12 من حكومة النظام، و12 آخرين موزعين على بقية الأحزاب، وممثلين عن المجتمع المدني والتجمعات القبلية، تعمل خلالها اللجنة الدستورية على إنجاز مسودة دستور خلال ثلاثة أشهر!
وأغفلت التسريبات أي ذكر للمعارضة في لجنة كتابة الدستور، وأعطت لحكومة الأسد مباشرة 50% من تعداد اللجنة، وافترضت مكونات للقسم الباقي تعني أن الوفد التابع للمعارضة (غير المؤيدة للأسد) لن يحصل على أكثر من 10 إلى 20 % من نصاب هذه الهيئة، (حيث ستدخل نساء ديمستورا، والمنصات المختلفة والميليشيات الكردية وغيرها من القوى التي شكلها الغرب والروس لهذه اللحظة)، الأمر الذي يعتبر كارثة حقيقية بكل المقاييس، خصوصاً إذا قبل الوفد المفاوض به، ودخل ضمن هذه الهيئة، التي سوف تصدر دستوراً يكون بمثابة حكم إعدام للثورة، ووثيقة تجريم لكافة الثوار سلمييهم وحملة السلاح منهم، وسيصبح أي رافض للنظام ومفرزات المفاوضات إرهابياً تكفيرياً قابلاً للقصف.
ففعلياً سيكون هذا الدستور أتعس من دستور الأسد الحالي، ولا يستغرب أن يعينه بمنصب أعلى من رئيس الجمهورية (ربما كقائد أبدي أو مرشد للدولة السورية)، فلجنة كتابة الدستور ستكون مكونة بنسية 90% على الأقل من مؤيدي الأسد وداعميه المتحمسين، وسيكون أي قرار يصدر عنها قراراً مدعوماً دولياً قانونياً وسياسياً وعسكرياً، وسيصبح بمثابة قانون لا يمكن الخروج عنه، خصوصاً بسبب عدم إمكانية تحقيق أي عملية استفتاء حقيقية عليه، سواء في الشتات أو داخل سوريا، وحتى لو حصل ذلك، فستكون النتيجة إيجابية لصالح النظام، الذي يسيطر على كتلة سكانية يستطيع إجبارها على التصويت بالقبول، أما الكتلة السكانية المعارضة فستقسم بين رافض ومقاطع للانتخابات أو غير مهتم، إضافة لصعوبة تنظيم تلك الانتخابات في العديد من المناطق السورية، ودول اللجوء.
إضافة للكتل السكانية (من النازحين واللاجئين)، التي سوف يضغط عليها للقبول بالدستور، في لبنان وبعض الدول الأخرى التي هرب السوريون إليها، وقد تكون تركيا المكان الوحيد الذي لن يحصل فيه إرغام للسوريين على القبول بدستور الأسد الجديد.
وقد يستبق الأسد هذا العمل بتنظيم وثائق هوية جديدة للسوريين (كثر حديث الصفحات الموالية للأسد عنها مؤخراً)، بموجبها يسقط الجنسية عن السوريين المعارضين له (فيمنع أن يصوتوا ضده)، ويجنس عدداً ضخماً من عناصر الميليشيات الشيعية سواء الافغانية أو العراقية، وعائلاتهم، التي قد يصل عددهم إلى ما لا يقل عن 300 ألف شخص على أقل تقدير (تعداد الميليشيات الشيعية في سوريا يتجاوز 100 ألف)، ما يعني أن الأسد سوف يكون له الكلمة العليا في أي عمليات استفتاء بين السوريين، بخصوص أي قرارات مصيرية تتعلق بمستقبل سوريا، خصوصاً مع التواطؤ الكبير للأمم المتحدة الداعم الأكبر له.
ما يؤكد أن تمرير هذا الدستور بنسبة موافقين تتعدى 80 % مضمون، وقد تتعدى النسبة ذلك بكثير (مع الكثير من البروباغندة عن حرية وديموقراطية هذا الاستفتاء).
بموجب هذا الوضع يمكن القول أن الأسد ينتصر على المستوى السياسي، ولا يوجد في الأفق أي سبب لفشله سياسياً، خصوصاً مع الدعم الأمريكي والروسي الكبير له، حيث لا يوجد أي مؤشر يلوح في الأفق لتقديمه أي تنازلات سياسية، خصوصاً أنه سوف يكون الكاتب للدستور، الذي هو محور أي عملية للانتقال السياسي.
الطامة الكبرى، أن الوفد المعارض ما يزال يتابع اشتراكه في المفاوضات والمباحثات والجلسات المختلفة، والتي أصبحت نتائجها بادية للعيان منذ الآن، وهي إعادة تأهيل النظام والأسد بشخصه على رأسه، وإعطائه الاعتراف القانوني والسياسي والدولي، بدعم سخي من الوفد المعارض، الذي لم يقدم على أي عمل سياسي أو تفاوضي حقيقي، سوى تقديم التنازلات والتفريط في حقوق الشعب السوري.
الخيارات المطروحة أمام وفد المعارضة محدودة جداً، بين متابعة التفاوض العبثي المضيع لحقوق السوريين، أو الانسحاب من المفاوضات، حيث يمكن إدراك حجم الضغط الإقليمي والدولي عليهم، ولكن نتائج هذا الضغط ستكون تسليم الأسد كل المفاتيح، وإعطائه كل اللازم للقضاء على الثوار والثورة.
المعجزة لن تأتي!
قد يتأمل الوفد المعارض أن تحصل معجزة ما، بنتيجة التسريبات التي تتحدث عن وثائق تتعلق بجرائم الأسد تؤدي لضغط دولي عليه لتقديم تنازلات، لكن هذه المراهنة لا توصف سوى بأنها ساذجة، فأي صفقة سياسية صغيرة مع النظام، الذي يؤدي اليوم مهمة كبيرة في قتال تنظيم "الدولة"، كفيلة بشطب تاريخه الدموي كله، وإعادته بريئاً، كما كان في اللحظات الأولى لتحريك الأسد الأب دباباته للانقلاب على رفاق "بعثه".