الصراع الفصائلي في سوريا.. موت خارج النص - It's Over 9000!

الصراع الفصائلي في سوريا.. موت خارج النص

بلدي نيوز – (خاص)

تمهيد
تناقش هذه الورقة المواجهة المسلحة بين "جبهة فتح الشام" وبعض فصائل الجيش السوري الحر, في إطار تداعيات مؤتمر أستانا, ونمهد لهذا النقاش باستعراض سردي وتحليلي موجز للظروف التي أحاطت بهذا الصراع في بعده الاقتصادي والسياسي والإقليمي, وصلة ذلك بمآلات ما تمخض عنه وارتداداته على حركة أحرار الشام الإسلامية, والساحة الثورية السورية بشكل عام.
ثم نتناول بالتحليل جوانب هذا الصراع أطرافا وخططا وتفاعلات ونتائجا, ونقف على الأسباب الموجبة الدافعة لهذا التغير, وتباينات المواقف بين المعسكرين, واختلافات توجّهاتهما, ومصالحهما، وأسباب تسارع وتصاعد هذا التغير, وانعكاسات ذلك على المشهد السوري العام.
مقدمة
في المنطقة المحررة, وبين فترة وأخرى تتجلى تحالفات جديدة, تستأثر بالسلطة فتذوب فصائل, ومعها رموزها العسكرية والسياسية, وتظهر بدلا عنها تشكيلات جديدة تفرض نفسها على الساحة بالقوة المسلحة, أو بقوة الحاضنة الشعبية المتطلعة إلى ما هو أفضل.
لم يتفاجأ السوريون بما جرى في الأيام الأخيرة التي استطاعت فيها "جبهة فتح الشام" قضم ثلاثة فصائل من الجيش الحر (جيش المجاهدين وكتائب ثوار الشام وتجمع فاستقم كما أمرت) واصطدامها بمعارك عنيفة مع صقور الشام وجيش الإسلام, وتمكنها خلال أيام قلائل من التوغل والسيطرة على غالبية المنطقة التي كانت بحوزة تلك الفصائل في خطوة مثيرة للجدل بدأت بمواجهات استعراضية ثم تطورت لتضع نهاية لتلك الفصائل.  
لم تكن الأحداث الأخيرة هذه سوى محصّلة لمواجهات مسلحة سابقة ومتعددة، جمعت بين مقاتلي جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) وبعض فصائل الجيش الحر, وأهمها تلك المواجهات ضد "جبهة ثوار سوريا" و"جبهة حق" وغيرهما من فصائل الجيش الحر الواقعة في هيكل عسكري محدد.
تتحدر "جبهة فتح الشام" من إيديولوجيا مغايرة لسواها في القتال والدبلوماسية والبعد السياسي, واكتسبت خلال فترة طويلة ميزات جعلتها أقوى قوة مسلحة في المناطق المحررة, يرافقها حملة استقطاب للحاضنة الشعبية, بالتركيز على العداء لنظام الأسد والميليشيات الإيرانية أولا, والتذرع بأن ما قامت به ضد فصائل الحر التي وقعت على لقاء أستانا أمر تستوجبه خطورة المرحلة. 
واستغلت "جبهة فتح الشام", وفقا لدروس وقائع عسكرية مرت بها المناطق المحررة متابعة تنفيذ استراتيجية الانقضاض التدريجي على فصائل الجيش الحر, في محاولات متكررة بدأت منذ العام 2014م.
انزلاقات وتحولات المشهد الثوري
قطعاً، لا يمكن تصديق وجود عامل واحد، دون سواه، يقف خلف ما حدث من انكسار لفصائل الجيش الحر, هناك عوامل كثيرة لعل أقواها التمزيق الذي طال الجيش الحر, كما أن نية المواجهة لم تكن في الأصل حاصلة لا من قيادة تلك الفصائل أو حتى عناصر تلك الوحدات العسكرية.
الآن، وبعدما تحقق لـ"جبهة فتح الشام" ما فعلت على نحو ما يفعله المنتصرون، وتخلّصها من بعض خصومها من عسكر الثورة يركّز الحلف الجديد على أربع مسائل رئيسية، يرى فيها عوامل دعم لنجاح توجههم الاستراتيجي في الصراع، والتحوّل الجديد المتمثل باستحداث "هيئة تحرير الشام":
أولا: إزاحة الفصائل الموافقة على الحل السياسي في الآستانة.
ثانياً: إحكام السيطرة على مناطق الشمال السوري, وإخضاعها إخضاعا كاملا، بوصفها مركزاً للحراك الثوري.
ثالثاً: التمسك بمدينة ادلب, والمعابر, بوصفهما محوري ارتكاز استراتيجي. 
رابعاً: الحضور العسكري في الحدود الشطرية والمتداخلة لحركة أحرار الشام تحسباً لأيّ خطوة  تؤدي إلى مواجهة مستقبلية.
في هذا الصدد، تؤكّد شواهد الأحداث، أنّ كل وقائع الاستيلاء على السلطة بالقوة لم تسجل نجاحاً لأيّ مسعىً سياسي بين الطرفين المتنازعين عليها، وعادةً ما تعتمد "جبهة فتح الشام" هذا الخيار، بواسطة معارك خاطفة، ترافقها مصادرة مخازن الأسلحة رغم المساعي السلمية من أطراف محايدة سواء هيئات شرعية أو فصائل كبرى. 
وعندما تمكنت "جبهة فتح الشام" من اجتياح مقرات ومراكز جيش المجاهدين شرعوا بانتهاج طرق أخرى، لفرض وجودهم في الساحة عبر التمدد غير المسلح، أو ما يمكن أن نسميه "اندماج الفصائل بالقوة الناعمة"، وهي خطوة متقدمة، استمدت شرعيتها وديناميتها مما حققوه على الأرض، من إخضاع غالبية فصائل الجيش السوري الحر, والاستيلاء على معسكراته ومقاره.
ولم تمنع هذه الاستراتيجية، كذلك، من اللجوء إلى خيار "قوة العنف" الذي اتُّبع لإخضاع القرى الشمالية لجبل الزاوية, معقل تمركز صقور الشام, وكذلك جيش الإسلام بالقرب من معبر باب الهوى، أو في محاولة السيطرة على مناطق أخرى، تحت مدعى محاربة فصائل (الأستانا).
يقف محللون سياسيون وعسكريون متابعون للشأن السوري عند جزيئاتٍ، تقع على زوايا الصراع العسكري الدائر، من دون الحفر في عمق القضية وصميمها, وهو موقف تغيب معه الرؤى الحقيقية، وتطغى عليها التكهنات والافتراضات لتضعنا وجها لوجه مع الأسباب والمآلات. 
الأسباب 
أولا- أسباب سياسية: شكلت تداعيات اجتماع أستانا دفعا قويا على شكل استقطابات حادّة بين الفصائل التي شاركت في الاجتماع والفصائل التي رفضته, واتهمت المشاركين فيه بالخيانة وتطورت إلى معارك عنيفة إثر قيام "جبهة فتح الشام" بشن هجوم ضد فصائل المعارضة التي شاركت في أستانا، بناءً على معلومات بحسب - جبهة الشام- عن حصول اتفاق على ضربها، وأن الفصائل المشاركة في أستانا جزءاً منه. وكانت موسكو أوحت بأنها استلمت خرائط توضح أماكن وجود عناصر "جبهة فتح الشام"، تزامنت مع ضربات جوية سقط فيها أكثر من مئة عنصر من "جبهة فتح الشام" في منطقة الشيخ سليمان, بالإضافة لاستهداف بعض قادتها, وهو أمرٌ عدّته "فتح الشام" بدايةً لعزلها ومن ثم اجتثاثها من المشهد السوري.
وسبق كل ذلك اشتعال حرب إعلامية بين "فتح الشام" وبقية فصائل المعارضة بعد معركة حلب, إذ اتهم "تجمع فاستقم" ومعه فصائل من الجيش الحر, "فتح الشام" بمسؤوليتها عن سقوط المدينة وتشريد أهلها،  لرفضها مغادرة المناطق المحررة رغم قلة عدد مقاتليها, مقابل توقف عمليات الطيران الروسي.
وبعد عملية انقضاض "فتح الشام" على فصائل الجيش الحر, جرت عمليات استقطاب بين فريقين كبيرين, إذ أعلنت كل من "جبهة فتح الشام"، و"حركة نور الدين زنكي"، و"لواء الحق"، و"جبهة أنصار الدين" و"جيش السنّة"، عن اندماجها في جسم عسكري واحد أُطلق عليه اسم "هيئة تحرير الشام". وقد سبق تشكيل هذه الهيئة انضمام فصائل مختلفة في ريفَي حلب وإدلب إلى حركة "أحرار الشام"، أبرزها "ألوية صقور الشام" و"جيش الإسلام" (قطاع إدلب)، و"جيش المجاهدين" و"تجمع فاستقم كما أمرت"، و"الجبهة الشامية" (قطاع ريف حلب الغربي) طلباً للحماية ورفضا لصدام دموي.
ثانيا- أسباب اقتصادية: يقودنا تعليل السبب الأول إلى التساؤل إذا كان هدف "جبهة فتح الشام", ضربة استباقية للفصائل التي حضرت أستانا، والدفع إلى عملية اندماج بالقوة, ،فلماذا استولت على سلاح وذخائر تلك الفصائل التي داهمتها؟ ليس الجواب بعسير لأي مراقب ومتابع للضائقة المالية التي تمر بها "جبهة فتح الشام" وبقية الفصائل المنضوية تحت تشكيل "هيئة تحرير الشام" ومعاناتها منذ معركة حلب على صعيد الإمداد والتمويل لذلك جاءت مهاجمة مخازن أسلحة فصائل الجيش الحر لتذخيرها وتغطية النقص الذي تعاني منه وتوفير مخزون احتياطي تحضيرا لمعارك قادمة, فهي لا تزال مصنفة على قوائم الإرهاب, وبررت ذلك أن الأسلحة التي بحوزة فصائل الجيش الحر هي ملك لمن يحارب نظام الأسد في إشارة إلى أن الفصائل المشاركة في أستانا في طريقها إلى إتمام العملية السياسية والتي بنتيجتها ستوجه هذا السلاح لفصائل الرفض.
يضاف إلى ذلك أن فصائل بلدة  دارة عزة تعرضت إلى هجوم من "هيئة تحرير الشام", الأمر الذي فسر بأنه محاولة سيطرة على الطريق التجاري الواصل إلى عفرين، والذي يشكل إيرادا ماليا كبيرا من خلال فرض ضرائب على سيارات النفط الخام القادمة من منطقتي سيطرة تنظيم "الدولة" والوحدات الكردية. 
وكان قد سبق أن هاجمت "فتح الشام" معبر خربة الجوز الإنساني الذي تسيطر عليه حركة أحرار الشام, لاعتقال أحد قادة "فتح الشام" بتهمة السطو على سلاح بعض فصائل الجيش الحر العاملة في ريف اللاذقية.
ثالثا - أسباب ظرفية: أوجبتها حالة التشظي الفصائلية, في دعوى قيام "فتح الشام" استنادا إلى رؤيتها في عملية الدمج بالقوة بعيدا عن مسألتين, الأولى عدم الإيغال في الدم من ناحية, وتجنب تكفير قادة وكوادر الفصائل التي هاجمتها من ناحية أخرى, ولكن الطرف الآخر يرى أن ما قامت به "فتح الشام" يستند إلى إيديولوجيا (التغلب) بمعنى فرض قوتها على الآخرين, وجرت عملية الدمج باتجاه أحد المعسكرين دون إراقة دماء من طرفي الصراع, إذ سارعت الفصائل المستهدفة لإعلان اندماجها في حركة أحرار الشام, وفي الوقت نفسه أعلنت فصائل أخرى اللحاق بالفصيل الجديد تحت مسمى "هيئة تحرير الشام".  
المآلات:
بعد الصراع الأخير بين "جبهة فتح الشام" من جهة, وبعض فصائل الجيش السوري الحر من جهة أخرى, بات المشهد السياسي يتبلور بين معسكرين كبيرين, كل منهما يحمل مشروعا يتمايز عن الآخر, الأول جهادي أممي تقوده "فتح الشام" وتحاول تطبيقه على المجتمع السوري المحلي حتى قبل التخلص من نظام الأسد, والثاني وطني سوري يقوده أحرار الشام ويرى أنّ القضية الرئيسية هي التخلص من نظام الحكم. هذا التمايز بين المعسكرين يجعل مسألة التصادم بينهما قائمة يغذيها فتاوى الشرعيين, والإيحاءات الإقليمية والدولية, وبما أن بعض الفصائل الكبرى في الشمال السوري (الزنكي ولواء الحق وجيش السنة) انخرطت في الكيان الجديد المسمى "هيئة تحرير الشام", فإنهم يعللون لأنفسهم أن هذا سيمنع تصنيفها في لوائح الإرهاب باعتبارها تلقت دعما أمريكيا من خلال غرفة "الموم" التي شكلها أصدقاء الشعب السوري من أجل الدعم العسكري بقيادة أمريكية. كذلك تلقت بعض الفصائل دعما تركيا مباشرا بعد موافقة قيادة الزنكي على إرسال نحو 500 من مقاتليه إلى "درع الفرات"، إضافة إلى وجود جيش السنة ولواء الحق اللذين تلقيا دعما خليجياً لفترة طويلة. ولعل أطرافا إقليمية لعبت دورا في عملية الاندماج من خلال إيحائها لمعسكر "هيئة تحرير الشام" أن هذا التحالف سيجنبها العقاب الدولي الذي وضعها على لوائح الإرهاب, وتشير وقائع الأحداث أن الحلف الجديد في طريقه إلى المجهول. بينما معسكر أحرار الشام يمضي في العملية السياسية بدعم من أطراف محلية معارضة وغطاء سياسي تركي, ودعم خليجي.
بالمقارنة بين وضع "هيئة تحرير الشام" بعد عملية الاندماج, ووضع حركة أحرار الشام, تبدو الصورة واضحة، فهناك تفوق وسيطرة على الأرض لكلا المعسكرين, ومشاركة في النفوذ في مناطق متداخلة، يقابله تراجع في فصائل الجيش السوري الحر لتقتصر سيطرته على جزء من ريف حماة الشمالي, و"درع الفرات" في أقصى الشمال السوري.
حتى الآن، ما يزال كلا المعسكرين يراقبان التسوية السياسية عن كثب في تباين واضح مرهون بظروف كل طرف منهما على مستوى الداخل والخارج, وعلى مستوى إدارة الصراع السياسي التي يحاول كل طرف إقناع نفسه والآخرين بصواب ما يذهب إليه بناء على تحولات سياسية دولية قد تضع سوريا في أفق جديد يمهد لصراع دموي داخلي, فالمعسكر الممثل بهيئة تحرير الشام الرافض لأية تسوية سلمية, بل يصفها بالاستسلام, لا يملك رؤية سياسية قابلة للتنفيذ عدا لغة القوة والعنف, مما يجعل كلفة هذا الاصطراع باهظة جدا. فالمصالح المتعارضة بينهما تأتي في سياق مصالح دول إقليمية, لعبت دورا كبيرا في الساحة الثورية السورية منذ العام 2012م, فهي التي تدفع مرة إلى دمج الفصائل وأخرى في إشعال فتيل المعارك بينهما, وستبقى هكذا إلى حين حصول  توافق دولي وإقليمي على صيغة تسوية سياسية لم يتم  التوصل إليها بعد.

مقالات ذات صلة

"النواب الأمريكي" يصوت على قانون "الكبتاغون 2"

قسد تعتقل ثلاثة موظفين في الهلال الأحمر ، فما السبب؟

"الدفاع التركية" تلعن استهداف عناصر من "قسد" في سوريا

بما علق نظام الأسد على الهجمات الإيرانية على إسرائيل

مقتل شخصين من المهربين على الحدود الأردنية السورية

رقم كبير لعدد الأطباء السوريين الذين غادروا البلاد إلى ألمانيا والخليج