ماذا بعد تشكيل "هيئة تحرير الشام"؟ - It's Over 9000!

ماذا بعد تشكيل "هيئة تحرير الشام"؟

بلدي نيوز – (خالد وليد)
نجم عن الأحداث الأخيرة بين الفصائل العسكرية في سوريا ولادة "هيئة تحرير الشام"، التي يبدو أنها ستكون محور الاهتمام السياسي والإعلامي حتى حين، وستكون أحد أهم اللاعبين في الساحة السورية خلال المرحلة القادمة، وخصوصاً بسبب تشكيلتها وطبيعتها، والظروف التي ظهرت خلالها، وحالة الفوضى الشاملة التي يبدو أنها مقبلة على الشمال السوري وربما الشرق الأوسط كله، مع ترامب الذي يمتلك مشروعا أكثر وضوحا وعلنية من مشروع سلفه أوباما.
فهيئة "تحرير الشام" بما تحويه من مكونات، تمثل الخليط الأول في الساحة الذي يصهر مكونات من مشارب مختلفة، بعضها يوصف بالتشدد والارتباط بالقاعدة، والبعض يوصف بالمعتدل الذي يقبل الحل السياسي أو على الأقل "لا يرفضه من مبداً عقائدي"، بل من مبدأ عدالة ووطنية.
القيادة العامة للهيئة، والتي سلمت لقيادي سابق من أحرار الشام (المهندس أبو جابر الشيخ)، يمكن منها استشفاف أن هذا الفصيل الجديد لا يبدو بحال من الأحوال مرتبطا بالقاعدة، بحكم أن رأس هرمه القيادي من غير المتحمسين لها، ولا يعرف عنه تأييد واضح لفكرها، وحتى الكثير من فصائلها غير مرتبطة بالقاعدة أو تحمل فكرها، على الرغم من اعتبارها فصائل "جهادية" أو إسلامية، فلها أجندات وطنية فقط، وتخلوا مشاريعها من أي ذكر لأي أعمال خارج سوريا، بل تركز على الوضع الداخلي والقتال ضد النظام وحتى تنظيم "الدولة".
لكن المشروع يواجه فكرة مفادها؛ أن مجرد عملية حل فتح الشام ودمجها بفصيل، سوف تعني أن هذا الفصيل أو مجموعة الفصائل تحولت بشكل تلقائي لفصائل "إرهابية" ومرتبطة بالقاعدة، وقد تتعرض للقصف من قبل التحالف والروس، وأن الموضوع مرتبط بالفكر وليس بالروابط التنظيمية، وهذا الأمر تدعمه شواهد من تاريخ فتح الشام، التي تعتبر وريثة جبهة النصرة، بعد فك ارتباطها بالقاعدة، وحل بيعة الظواهري، وتغيير الاسم والتركيز على الوضع السوري الداخلي فقط.
فعلى الرغم من ذلك تعرضت الجبهة للعديد من الضربات، كان آخرها حملة اغتيالات عبر الطائرات من دون طيار، والتي تسببت بخسارة الجبهة للكثير من كوادرها، وتسببت بتعقيد المشهد خلال مجموعة من المحاولات والنقاشات التي تتعلق بالاندماج بعد سقوط حلب، والتي يبدو أنها انتهت وأصبحت "هيئة تحرير الشام" واقعاً معاشاً، برغم التهديدات الكبيرة التي تتعرض لها، من عمليات اغتيالات بضربات من التحالف والروس، وقطع الدعم عن فصائلها، واحتمالات المواجهة مع الفصائل الموجودة في الساحة لأسباب متعددة.
إعادة هيكلة الشمال السوري
هيئة تحرير الشام هي القوة الكبرى فعليا في الشمال السوري، ولا يوجد أي فصيل يمتلك ما تمتلكه حالياً، من المقاتلين عددا وعدة ومستوى تدريبي وخبرة، والذين تتحدث بعض التقديرات أن أعدادهم تتجاوز الثلاثين ألف عنصر من حملة السلاح، ما يجعلها رقما صعبا في معادلات الشمال السوري.
فقد ضمت الهيئة خلال تشكيلها وصهرت كلا من التشكيلات الكبرى في الشمال، من جبهة فتح الشام والزنكي وجيش السنة ولواء الحق وجبهة أنصار الدين وغيرها من الفصائل الصغرى، والأفراد والمجموعات التي تركت فصائلها وانصهرت في الهيئة.
في حين بقيت فصائل أخرى خارج هذا التشكيل الجديد والتي تسير بشكل أو بأخر لتشكيل تكتلات، أو على الأقل تكتل واحد تتصدره حركة أحرار الشام، التي عانت بسبب تشكيل هيئة تحرير الشام من فقدانها لعدد من كوادرها من عناصر وقياديين، ولعل أبرزهم قائد هيئة تحرير الشام، الذي كان حتى تشكيلها قياديا في أحرار الشام.
سلبيات وإيجابيات
حالة إعادة الهيكلة والخروج بتجمعين في الشمال السوري، تحمل في طياتها الكثير من السلبيات، وبنفس الوقت العديد من الإيجابيات، فهي قد تكون مقدمة لصراع طاحن في الشمال السوري، يكون أبطاله الهيئة والقوى الأخرى، وقد يدخل لاحقاً تنظيم "الدولة" على الخط، خصوصاً مع الأخبار عن تحشدات له باتجاه إدلب، والتي على الرغم من صعوبة الجزم بها، لكن المتتبع لاستراتيجية التنظيم يدرك تماما قدرته عليها، خصوصاً أنه يسعى لتطويق النظام في حلب، وهو بحاجة لقطع طريق خناصر من الجهتين لإحكام حصاره على حلب، وهذا بالنسبة للتنظيم لا يمكن أن يحدث بالتنسيق مع الثوار، ولعل معركة خناصر الأخيرة دليل على أن التنظيم يسعى لاستكشاف الطرق الأمثل لقطع الطريق وحصار النظام في حلب -ربما تمهيدا للالتفاف عليه من غربي حلب عبر إدلب- فهذه العملية يمكن اعتبارها كجس نبض للنظام، واستشعار لطرق تعامله مع قطع الطريق ومدى تأثيره عليه.
الاحتمال الثاني وهو إن لا يحدث صدام بين الهيئة وباقي القوى في الشمال، وهو أمر تحتاجه الهيئة كثيراً بحكم طبيعة طرحها ما يجعله أقرب للتحقق، لكنه لن يخلو من مراحل توتر وربما تقاذف للاتهامات، خصوصاً بعد ما حصل خلال الفترة الماضية من نزاع قبيل تشكيل الهيئة.

إعلان البداية

هيئة تحرير الشام تطرح نفسها كمشروع عسكري، يقابل الطروحات التي تقبل الحلول السياسية بأشكالها، ما يعني أنها سوف تركز جهدها على العمل العسكري ضد النظام تحديداً في المرحلة القادمة، ما يعتبر تحدياً حقيقياً وبخاصة مع الدعم الروسي، والذي قد يترافق مع ضربات انتقائية للتحالف.
يستنتج من هذا الطرح أن الهيئة ستشن هجمات ضخمة على النظام، بهدف الإعلان العملي عن انطلاقها، تدخل ضمن قائمة أهدافها ريف حماة وحلب وربما الساحل، الأمر الذي يؤكد أن النظام سيقع في مأزق كبير بمجرد بدء هذه العمليات، فمن جهة يتعرض للاستنزاف في ريف حمص، ومن جهة أخرى سوف تفتح عليه معارك في ريف حلب، وربما ريف حماة أو الساحل.
فإذا استطاعت الهيئة إحراز انتصارات على النظام والروس، فهي ستكون حصلت على مشروعيتها العسكرية والسياسية ضمن الحاضنة الاجتماعية للشمال السوري، وقد تستطيع استقطاب المزيد من العناصر والفصائل التي ستجد في انتصارات الهيئة دافعاً للانضمام إليها، خصوصاً إذا أكدت الهيئة أنها مشروع وطني لا يمتلك امتدادات أو ارتباطات بمشاريع أخرى، وأنها ليست مجرد وريث لجبهة فتح الشام أو النصرة المحسوبة على القاعدة -رغم إعلان انفصالها-.
بالنسبة لتنظيم "الدولة"، فهو سيستفيد مرحلياً من أي عمليات كبرى تبدأها هيئة تحرير الشام ضد النظام، وبخاصة في حماة والساحل، حيث سيزيد الضغط على النظام، في حين سينخفض الضغط على التنظيم ما يتيح له التقدم في ريف حمص وديرالزور، فهو يسعى الآن لتعطيل المطارات الكبرى في سوريا، والتي يستخدمها النظام لضربه في ريف حمص، بهدف تخفيض الضغط العسكري عليه واستنزاف النظام، حيث أصبح مطار "السين" هدف التنظيم بعد مطار التيفور، ولن يطول الوقت قبل أن يسيطر التنظيم على مطار ديرالزور.
الدول الكبرى
يمكن القول أن ظهور الهيئة في هذه المرحلة قد يتسبب بعرقلة العديد من المشاريع الدولية المتعلقة بالشمال السوري، وبخاصة الروسية منها، ما يعني أن روسيا لن تكون مرحبة جداً بظهورها ولن يطول الوقت قبل بداية الاشتباك العسكري بينهما.
أما بالنسبة للدول الغربية، فقد يختلف الموقف قليلاً، ففي حال اعتبرت أن الهيئة هي امتداد لجبهة النصرة ولفكر القاعدة، فستكون الأمور سيئة بالنسبة للهيئة، خصوصاً أن قياديين ومعسكرات لجبهة فتح الشام كانت تتعرض للقصف من التحالف مع بداية العام الحالي، وذلك على خلفية الاتهام "بالإرهاب".
لكن بعض المؤشرات للأوضاع في سوريا تشير إلى احتمالية عدم حدوث قصف "واسع" ضد الهيئة –في حال حدث- خصوصاً مع مؤشرات على عودة توسع لتنظيم "الدولة" في سوريا، والتي تعني أن الغرب قد يسمح لهيئة تحرير الشام بالبقاء في الشمال السوري على حساب النظام، في مسعى لإدخال التنظيم في معركة معها في حال حاول الدخول لإدلب أو حلب، وهو الأمر الذي يبدو أنه ليس بعيداً عن الحدوث في الشمال السوري الملتهب.

مقالات ذات صلة

"المجلة" تنشر وثيقة أوربية لدعم التعافي المبكر في سوريا

توثيق مقتل 89 مدنيا في سوريا خلال تشرين الثاني الماضي

"الائتلاف الوطني": سوريا غير آمنة ويجب حماية السوريين العائدين من لبنان

صحيفة أمريكية توثق آلية تهريب نظام الأسد للممنوعات إلى الأردن

"الهيئة" تمنع إقامة فعالية ثورية في إدلب

إدلب.. مواجهة بين نساء وشرطة "الإنقاذ" أمام ديوان المظالم