بلدي نيوز- (ميرفت محمد)
حالة احتقان كبيرة، معتقلون من الطرفين، هجوم على مقرات وحواجز العسكرية، اشتباكات تسببت في استشهاد طفلين ووقوع عدة إصابات.
ساحة الحرب تلك خاصة بفصيلين في سوريا، هما حركة "أحرار الشام" و"جند الأقصى" التي بايعت "جبهة فتح الشام"، وهي حوادث ليست الأولي، إذ يستمر مسلسل عمليات الاقتتال ليشكل هذا خطراً كبيراً على الثورة السورية التي تواجه تحديات متعددة، في الوقت الذي تتصارع فيه الفصائل على النفوذ والسيطرة، حيث لا يقتصر الاقتتال على انعكاساته العسكرية ميدانيًا، بل في الشرخ الاجتماعي الذي يحدثه هذا التناحر الفصائلي، حتى غدى حديث الناس عن الفصائل ومشروعيتها أكثر من الحديث عن الثورة وأهدافها وخاصة مع اقتراب موعد مؤتمر أستانا.
تناحر فصائلي خطير
تشهد محافظة إدلب تنوعاً فصائلياً كبيراً، فهي معقل المعارضة السورية، وما يميز فصائل إدلب توزع ولائها، وتنوع الجهات الداعمة لها ماليًا وعسكريًا.
ويبدو أن الخلاف على أرض إدلب هذه المرة ليس من السهل إنهاؤه كما المرات السابقة، التي تم فيها الاحتكام للمحكمة الشرعية، حيث يؤكد المحلل السياسي (عبد العزيز عجيني)، على أن الفصائل المسلحة في إدلب تتصارع فيما بينها عقائديًا، حتى وصل الأمر إلى اقتتال مباشر بين "جند الأقصى" المبايع لجبهة فتح الشام من جهة وبين "أحرار الشام" من جهة ثانية، ويعتبر (عجيني) أن هذا التدهور الخطير في الواقع الميداني أصاب المدنيين بالإحباط، وأصبح الكثير ينظر إليه على أنه مسمار أخر يدق في نعش ثورة أرهقتها النزاعات البينية والتدخلات الخارجية.
وتابع القول لبلدي نيوز: "الآثار السلبية القاتلة لهذا الصراع لها انعكاساتها على مجريات الأحداث وربما يستمر ويتفاقم أكثر ما لم يبذل أهل الحل والعقد جهودًا جبارة، أو تتدخل جهات دولية لها وزنها بحكم الدعم والتمويل".
ويضيف: "البعض يرى أن الحل يجب أن ينبع من داخل هذه الفصائل، وذلك عن طريق عصيان عناصر هذه الفصائل لأوامر قادتهم، فيوما بعد يوم تنفض الحاضنة الشعبية من حول الفصائل، وربما يتفاقم الأمر أكثر ليتطور لحركات احتجاجية على المستوى الشعبي".
ويخالفه الرأي العميد الركن (أحمد الرحال) الذي قال أن الأمر ليس خلاف بين الفصائل في ادلب، وإنما مشكلة في طريقها للحل، وقعت بين أحرار الشام وجبهة فتح الشام، وجاري عملية تطويق الخلاف، ويتابع لبلدي نيوز : "أي خلاف سيؤثر سلبًا على الثورة بالتأكيد"، معتبرًا أن حدوث تقويض للثورة نتيجة هذه الخلافات هو أمر مستبعد، وذلك لكون "الثورة بقلوب الناس ووجدانهم حتى لو لم تعد هناك فصائل الثورة ستستمر حتى تحقيق أهدافها" على حد قوله.
الاندماج أقرب إلى المستحيل!
يؤكد الصحفي السوري "فراس ديبة" على أن سياسة قتال الفصائل السورية الأخرى ليست جديدة على "جبهة فتح الشام" التي سبقت وأن قضت على فصائل كاملة للحفاظ على وجودها كرقم لا يمكن تجاوزه في المعادلة السورية، فمشروع جبهة النصرة سابقًا و"جبهة فتح الشام" حاليًا، هو مشروع متمايز عن كافة الفصائل المقاتلة في الساحة السورية.
ويوضح ديبة خلال حديثه "لبلدي نيوز"، أن مشروع الاندماج الذي طرحته "جبهة فتح الشام" لم يكن مشروعًا جادًا، إنما الغاية منه إجهاض مشروع تبلوره فصائل الجيش الحر، قائلًا : "من الناحية العقيدية والفقهية هناك تباينات بين فتح الشام وأحرار الشام، بدأت تتسع هوة هذا التباين بينهما مع تغيرات فكر الأحرار، مما جعل التقارب والاندماج بين الفصيلين أقرب إلى المستحيل، وهو ما زاد عوامل الخلاف بينهما وأدى إلى الاقتتال بين الأحرار وجند الأقصى، الذي انضم إلى فتح الشام، حيث ساهم الجند في تحريض فصيلهم الجديد ضد الأحرار".
ويشدد ديبة على أن فتح الشام تسعى لتثبيت إمارتها في إدلب دون أن تعلن ذلك، ويساعدها على ذلك التوافق الدولي على ترك إدلب كمنطقة يرحل إليها الجميع، لتكون ساحة اقتتال وتصفية حسابات، ثم تحويلها لاحقاً إلى حالة تشابه الرقة، حسب ديبة.
اللعبة دولية تعمق خلافات إدلب!!
يقول الإعلامي السوري (هاني السباعي) أن محاولات الاندماج بين الفصائل السورية أصبحت "خط أحمر" من اللاعبين الدوليين، ويضيف : "الفصائل السورية أدركت هذه اللعبة، وأيقنت أن أية خطوة في طريق الاندماج مع فتح الشام يعني إخراجها من المشهد السياسي في سوريا وجعلها مستهدفة".
يوضح (السباعي) الذي اعتبر الفصائل السورية غير متمرسة على العمل السياسي : "هناك عقلاء موجودين في صفوف الفصائل السورية، لكن الطاغي والبارز هي الفوضى والانقسام بين الفصائل"، وينتقد السباعي الدور الإقليمي المتمثل في الموقف التركي والسعودي، ويقول : "تركيا والسعودية يتركان الأمر السوري بشكل تدريجي، لذلك الفصائل بحاجة لجهد كبير من أجل ترتيب أوضاعها بشكل يجعلها تكسب ما أفقدتها إياه بالحرب"، متوقعًا أن تكون فترة المعارك الكبرى قد انتهت على الأرض.
الاقتتال رسائل للاستانا
رفض أحرار الشام المشاركة في مؤتمر الأستانا، وبرر الحركة ذلك بالخوف من عزل "جبهة فتح الشام" وتركها منفردة، مقابل مكاسب على الأرض ستحققها مع "فتح الشام" التي باغتت في مهاجمة مقرات الأحرار.
يرى المحلل السياسي (عمار جميل) أن مؤتمر الأستانا بدأت تظهر نتائجه قبل أن يبدأ عقده، وتابع القول : "فتح الشام ضد الأستانا وأحرار الشام ليست ضدها لكنها رفضت الحضور، وهناك تسريبات على أن الضربة القادمة بعد الاستانا ستكون لإدلب".
ويوضح أن الصراع ناجم عن الخلاف على الرؤية تجاه المؤتمر والتحسب لأي ضربة قادمة تستوجب حماية الظهر لفتح الشام، ويشير (جميل) أن إدلب أصبحت متروكة كساحة للاقتتال الفصائل ليصفوا بعضهم البعض، وذلك ريثما تبدأ روسيا فصل تقليم الأظافر النهائي، فروسيا تعتبر أن الفصائل التي لن توقف الكفاح المسلح، سوف تعتبر جماعات مارقة وسيتم ضربها، حسب (جميل) الذي تابع القول : "للأسف نحن أمام فصائل لا تعرف لغة الحرب ولا لغة السياسية، للأسف هي فصائل ذات أفق ضيق، جاهلة بالمناورة و عدم حسابات للمستقبل".
استراتيجية "فتح الشام"
يعتبر "جُند الأقصى" الذي بايع "حركة فتح الشام" التنظيم الموالي للقاعدة (جبهة النصرة سابقًا) التنظيم الأكثر اختلافًا مع الفصائل السورية كما أسلفنا، لذلك وصفته الفصائل السورية التي أكدت أنها تقف عسكرياً وأمنياً ومعنوياً مع حركة أحرار الشام، بالتنظيم "الباغي" حتى يخضع لشرع الله، والاحتكام لهيئة شرعية يتم الاتفاق عليها.
وتعتبر الفصائل السورية لجم "جند الأقصى" المسؤول عن الأحداث الأخيرة ضد الأحرار هو مسؤولية "فتح الشام" التي قبلت بيعته لها، وكما قال فصيل "صقور الشام" إن: "اليوم مفترق طرق، ولن نرجع عن استئصال داعش الصغرى فعلى فتح الشام ألا تكيل بمكيالين وأن تقف من الجميع بمسافة واحدة ."
ويعد أحد من أسباب هذه الصراع إصرار قيادات في "جند الأقصى" على المفاصلة النهائية مع حركة أحرار الشام على خلفية تبني الحركة منهجاً جديداً بعيد كل البعد عن المنهج الشرعي للجبهة، إذ يخلق اختلاف منهج "جند الأقصى" المتشدد في التعامل مع المدنيين، كونه مقرب "فكرياً" على الأقل من تنظيم "الدولة" الكثير من المشاكل مع الفصائل الأخرى، كما يمكنا اعتبار العزلة الداخلية والخارجية لـ"أحرار الشام" وتفكك التنظيم، دافعًا لاعتداء جند الأقصى عليه، فهو لم يعد يراه فيه التنظيم القوى .
يذكر أن فصيل "جند الأقصى" الذي تربطه علاقات قوية ومتينة مع "تنظيم الدولة" ظهر في عام 2013 إثر استفحال الخلاف بين جبهة النصرة و"داعش"، يقول زميل مشارك في جامعة جورج تاون لمبادرة المستقبل العالمي ومختص في الأمن الدولي "جون ارتيربيري" : "تقع جماعة جند الأقصى في مكان حيادي بين تنظيم الدولة، وتنظيم القاعدة العالمي، فعلى الرغم من أن عديدًا من قادة جند الأقصى لديهم ارتباطات قوية بالقاعدة – ويعترفون بأيمن الظواهري كزعيم للقاعدة، وقائد الجهاد العالمي من خلال مبايعته – ولكن في الجوهر هي مجموعة غير متجانسة، فلا يمكن تصنيفها كفصيل تابع للقاعدة ولا حتى كامتداد لتنظيم الدولة، ويضيف : "تحول قبول جند الأقصى بشكل سريع إلى نقطة خلاف بين الثوار السوريين، ردّة الفعل هذه تشبه كيف أن جماعة جهادية أخرى من (الطريق الثالث)، لواء التوبة، انتقل إلى الرقة وأعلن البيعة لتنظيم الدولة، حيث كان نقطة هجوم مقاتلي داعش في السيطرة على خناصر على الطريق السريع بين حلب – حمص".
ويرى (ارتيربيري) أن هذه الاستراتيجية التي تتبعها جبهة فتح الشام، حريصةً من خلالها على توسيع قاعدتها بضمها للاعبين صغار، يمكن أن تكون لها تداعيات مهمة على ميزان القوى ضمن الثورة السورية، إذا رأت الفصائل المتمردة أن هذا التصرف عدواني، إذ تميل الجماعة للانضمام في وقت تكون أقل ولاء له.