بلدي نيوز - راني جابر (المحلل العسكري في موقع بلدي نيوز)
منذ بدء الحملة الروسية في سوريا وهي ما تزال شبه مقتصرة على الطلعات الجوية لطائرات القاعدة الروسية في اللاذقية، ولم تشهد دخولاً حقيقياً لقوات روسية كبيرة ضمن "وحدات مستقلة" في معارك مباشرة ضد الثوار.
لكن انتشرت مؤخراً الكثير من التسريبات والتكهنات حول الأسلحة التي قد تستخدمها روسيا في حال فشلها في تحقيق أهدافها العسكرية في سوريا.
ولمعرفة الإجابة عن هذا السؤال يجب أن نعود للمناطق التي واجهت فيها روسيا ظروفاً مشابهة وهزائم عسكرية كبيرة، سواء في الشيشان وأفغانستان وحتى أوكرانيا، ونستطلع ماذا فعلت القوات الروسية هناك.
التداخل وعدم تمييز
تكاد تنحصر مهمات القوة الروسية الموجودة في سوريا حتى الآن في العمليات الجوية، ولا يوجد كم ملحوظ من القوات البرية الروسية التي لها طابع عمل مميز وتكتيكات قتالية أو أسلحة خاصة.
فلا تزال قوات النظام والميليشيات الشيعية في الواجهة وهي تستخدم نفس أنواع الأسلحة التي استخدمتها خلال السنوات الخمسة الماضية (مع بعض الإضافات التي لا تعتبر تغييراً جذرياً)، فلا يبدو أن القوات الروسية لديها أنواع أخرى كثيرة لم تستخدم سابقاً من الأسلحة التي يمكن استخدامها على "نطاق واسع" في سوريا في حال تدخلت برياً بنفسها وبقوام واضح ووحدات مستقلة مكونة من الجنود الروس.
فالقوة الروسية في حال نشرت على الأرض، فلن تعمل بشكل منفرد إطلاقاً وسيكون دورها كما كان دور الإيرانيين سابقاً منحصراً في قيادة المعارك، وربما بعض العمليات المحدودة التي تتطلب قدرات غير موجودة لدى قوات النظام والميليشيات الشيعية.
لكن إدارة الروس للمعارك سيكون له انعكاس على طريقة استخدام الأسلحة وتكتيكاتها وبخاصة المدفعية والصواريخ والضربات الجوية والدبابات.
تجارب في مسرح عمليات حقيقي
جرب الروس عدة أنواع من قنابلهم الموجهة في سوريا في محاولة لترويجها، بعد أن استحوذت القنابل الموجهة الغربية على المشهد في المعارك والحروب التي اندلعت منذ حرب الخليج الثانية.
فضرباتهم الصاروخية من بحر قزوين والتي تعتبر إضافة لكونها ضربة استعراضية فهي ضربة تجريبية لهذه الصواريخ في "معركة حقيقية"، والتي أيضاً أطلقتها روسيا بسبب استحواذ الصواريخ الطوافة الأمريكية على المشهد خلال نفس الفترة الزمنية.
ما يعني أن الرغبة بتجريب أسلحة جديدة في مسرح عمليات حقيقي قد تدفع الروس إلى استخدام عدة أسلحة لم يستخدموها سابقاً في حروبهم أو (استخدمت ولكن على نطاق ضيق)، في محاولة لكسب عدة نقاط بداية باستعراض العضلات وتجريب الأسلحة وصولاً إلى محاولة إحداث أثر نفسي ضد الثوار على الأرض عدا عن الأثر التدميري.
فآخر حرب خاضتها روسيا ضد جورجيا صيف 2008 لم تستمر سوى عدة أيام، وانتهت بتفوق كاسح للقوات الروسية، ولم تتطلب الحرب سوى الأسلحة التقليدية لدى روسيا، ولم تستغرق وقتاً يسمح بحملات استعراضية حيث لم تواجه القوات الروسية مقاومة حقيقية خلال معظم الحرب.
"أورغن ستالين*"
يعتبر "الاغراق الناري" هو السلاح الروسي الأول ضد الثوار، وبخاصة عند حصول معارك في المدن أو المناطق التي يسهل عليهم التمترس والاحتماء فيها كالغابات والأحراش والمناطق الوعرة والمبنية.
فالعقيدة العسكرية الروسية تعتمد على أسلحة رخيصة تستخدمها بكثافة عالية بهدف تعويض القصور الناجم عن عدم دقة هذه الأسلحة، حيث يهدف الاستخدام الكثيف لتدمير المنطقة المستهدفة تماماً وتفريغها من المقاومة والسيطرة عليها لاحقاً.
قد تكون الشواهد الأكثر حضوراً وظهوراً في الذاكرة هي مشاهد دخول القوات الروسية في شوارع مدينة غروزني المدمرة بالكامل.
فلم تدمر غروزني بأسلحة متفوقة أو عالية الدقة أو "غير تقليدية"، لكنها دمرت بالقصف الكثيف الذي استخدمت فيه أسلحة يعود أساس تصميم الكثير منها للحرب العالمية الثانية، ويخلوا معظمها من أية قدرات تقنية عالية.
لذلك ستلجأ القوات الروسية "في تكرار للتجربة الشيشانية" إلى القصف العنيف للمناطق التي تنوي التقدم فيها برشقات كثيفة من الصواريخ وقذائف المدفعية، وذلك بتقسيم المناطق لقطاعات صغيرة وتدميرها تدريجيا أثناء تقدم قوات النظام فيها، مستخدمة في ذلك قذائف المدفعية والمدفعية الصاروخية متعددة العيارات لتحقيق هذه الغاية إضافة للغارات الجوية.
المميز في الاستخدام الروسي عن استخدام جيش النظام هو "الكثافة الأكبر" في القصف تجاه نفس المنطقة، على الرغم من كون قوات النظام تقصف بكثافة في معظم الحالات "القصير والزبداني شاهداً"، إضافة لكون هذه الضربات ستكون أكثر تركيزاً بسبب وجود استطلاع أكبر لدى القوات الروسية.
وبهدف تغطية أوسع منطقة ممكنة فقد يكثف الروس من استخدام الذخائر العنقودية والفراغية والحارقة سواء التي تلقيها الطائرات أو المدفعية الصاروخية.
فتظهر الكثير من الفيديوهات التي نشرت من عدة مناطق استخدام القنابل العنقودية المحملة ضمن صواريخ "سميرتش"، إضافة للصواريخ الحارقة والفراغية من راجمة "TOS-1" التي تستهدف تنظيف المناطق من القوى البشرية المدافعة وإحراق المباني والأحراش التي قد يختبئون فيها.
أسلحة استراتيجية
الجزء الاستعراضي من الحملة الروسية قد يدفعهم لاستخدام أسلحة توصف "بالاستراتيجية" والتي لم تستخدم تقريباً من قبل وتدخل عدة أسلحة ضمن هذه التوصيف.
فمن الممكن ان تستخدم روسيا مجموعة من قاذفاتها الاستراتيجية متعددة الأنواع التي قد تحلق من الأراضي الروسية (في نفس مسار طائرات الشحن) مروراً بإيران والعراق وتقصف المناطق المحررة.
في حال استخدمت قاذفات استراتيجية فلن تستخدم معها في الغالب قنابل "صغيرة" كالتي تلقيها طائراتها حالياً، بل ستستخدم روسيا معها قنابل "تكتيكية" لم تستخدم قبلا في سوريا.
حيث تملك روسيا وتصنع مجموعة من القنابل التكتيكية شديدة الانفجار أو الفراغية التي يمكن أن يصل وزن بعضها لعدة أطنان (يعادل تأثير بعضها تأثير قنبلة نووية صغيرة)، والتي قد تستخدمها ضد المدن الصغيرة والبلدات التي قد تستعصي على قواتها في محاولة لكسب عدة نقاط على حساب أمريكا، ومحاولة الظهور كقوة عظمى مرة أخرى، إضافة إلى أنها تستعرض سلاحها الذي تسعى لترويجه.
لكن استخدامها لهذه الأسلحة لن يختلف كثيراً عن ضربتها الصاروخية "التي لم تتكرر حتى الآن" ولا تزال مجرد استعراض للقوة ليس له تأثير جذري على النتيجة النهائية للحرب في سوريا.
خلاصة:
القوات الروسية بإدارتها لقوات النظام سوف تغير من تكتيكات عملها أكثر من تغيير أسلحتها حيث ستميل للإفراط في كل شيء.
ولكنها قد تستخدم ولو بقدر محدود مجموعة من الأسلحة غير المستخدمة سابقاً، بشكل أساسي في استعراض للقوة إضافة لمحاولة تحقيق تقدم ميداني على الأرض.
*أورغن ستالين: تسمية رمزية لصواريخ الكاتيوشا