أتلانتيك كانسل- (ترجمة بلدي نيوز)
حمّل وزير الخارجية الأميركية "جون كيري" من العاصمة البلجيكية مؤخراً، الكثير من المسؤولية عن المكروه الذي أصاب حلب على المعارضة السورية، قائلاً: "لكن المعارضة لم ترغب بتنفيذ وقف إطلاق النار، إنهم لم يرغبوا أن يكون هناك وقف لإطلاق النار، فقد كان هناك رفض للقيام بوقف إطلاق النار، على الرغم من العديد منا رأى بأن هذه هي الوسيلة الأفضل للوصول إلى طاولة التفاوض من أجل حل الصراع من الناحية السياسية، ولكنهم اختاروا القتال"، وبعد يوم من تصريح كيري، حاول البيت الأبيض تصحيح تصريحاته بالقول: "لقد وافقت المعارضة على خطة الأمم المتحدة ذات النقاط الأربع من أجل حلب، في حين يحتاج النظام إلى الموافقة على الخطة أيضاً"، ولكن الضرر كان قد حدث فعلاً بشكل لا يُبَرَّر!
ويعلم وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بأن العديد من مناقشات وقف إطلاق النار مع المعارضة السورية تعثّرت بشأن مسألة ما ستقوم به الولايات المتحدة من ضمان أو على الأقل تسهيل تنفيذ الشروط المتفق عليها، في حين أن واشنطن لم تضمن أي شيء، وبالتالي أعطى هذا الحرية المطلقة لعَنان نظام الأسد وروسيا وإيران لفعل ما يريدونه بمدنيّي سوريا: بمستشفياتِهم وبيوتِهم وحياتِهم، إن قيام الأقوياء باختيار الضعف عمداً ومن ثم إلقاء اللوم على الضعفاء ذوي الخيارات القليلة لأمر مشين جداً، نعم إنها احتفالية غسل الأيدي من المسؤولية !
ومن الناحية العملية، فإن نفوذ واشنطن في سوريا طفيف جداً، وحتى أن البيت الأبيض ووزارة الخارجية يجدان صعوبة حتى في ترتيب التسليم المشروط لحلب لإنقاذ أرواح المدنيين، في حين أن ازدراء موسكو البارد لإدارة أوباما أمر واضح ومفهوم، ولا أحد يعرف ذلك أفضل من وزير الخارجية الأميركية.
إن آمال جون كيري في المكان المناسب، إذ إنه يودّ وضع حدّ لذبحِ المدنيين، لأنه يعلم بأن المنهجية الدموية والمرتكزة على المدنيين، تلك الاستراتيجيّة المتبعة من قبل روسيا وإيران ونظام الأسد في حلب وأماكن أخرى من البلاد، ستجعل من حجة تنظيم الدولة كبديل للأسد مقنعة للبعض، ولكنه أراد مواصلة مواجهة الاستراتيجية التي وُظِّفَ لأجلها، الحرب البطيئة الحركة ضد التنظيم الإرهابي في شرق سوريا، والمنفصلة عن القتل الجماعي في غربها، إن القتل الجماعي ينفخ الأكسجين في رئتي التطرف الإسلامي في كل مكان، وكيري يعلم هذا حق المعرفة، و مما لا شك فيه بأنه محبط من الانقسام في المعارضة والاختلال الوظيفي فيها مثل أي شخص آخر، بما في ذلك أعضاء من المعارضة السورية، ولكن لا مبرر منطقي على الإطلاق لقيامه بإلقاء اللوم على الضحايا لما يحدث في حلب.
وتخيلوا الوضع الذي يجد فيه قادة المعارضة السورية على الأرض وفي المنفى أنفسهم عندما تُقدَّم إليهم مقترحات بشأن وقف إطلاق النار، سواء من قبل المبعوث الخاص للأمم المتحدة أو من قبل موظف في البيت الأبيض، حيث تشترك كل من هذه المقترحات بفكرة انسحاب قوات الثوار من شرق حلب بعضهم أو جميعهم، في حين أن بعض المقترحات قد تتطلب نظام الأسد والميليشيات العراقية الخارجة عن القانون والموالية لإيران الامتناع عن دخول المدينة: طلب معقول بما يكفي من جانب أولئك الذين يسعون إلى تجنب الأعمال الوحشية، إذاً فمن الذي سيضمن هذه الشروط؟ أو على الأقل اتخاذ خطوات عقابية إذا ما انتهكت؟
وقد يقول قائل أيضاً بأن المعارضة السورية المسلحة كان عليها تلافي القتال في المناطق المدنية بالإجمال، أو أن المعارضة كان عليها تنفيذ خطة خاصة بها في حلب منذ عدة أشهر، كما أن المرء حر لتقبّل حجة الرئيس أوباما الخاطئة بشأن سوريا، والتي تشير بأن الاجتياح والتدخل العسكري المحدود لا يمكنُ له التصدّي بفعالية للقتل الجماعي في سوريا، مع كل الآثار الإنسانية والتدّاعيات الجيوسياسية.
ولكن المرء يرى أنه في الوقت الذي تقف فيه هذه الإدارة مكتوفة الأيدي دون اعتراف علني، تحافظ على الصفقة النووية مع إيران، مما يعني عدم وجود أي دفع ضد إيران في سوريا، ولربّما ليس من الجريمة التفكير بالمخاطر المرتبطة بالمساعدة بإسقاط الطائرات الحربية الروسية لأنها تتعمّد استهداف المرافق الطبية والمدنية، ولكن أهذا كلّه يعود لسوء الفهم وعدم الثقة بالنفس؟ كما هو الحال في ارتفاع الخطاب حول عدم جواز ما يحدث في سوريا ومطالب إيقاف المهاجمين لعملياتهم، هل يتطلب الأمر حقاً توجيه اللوم للضحايا عن ما يحدث لهم؟
ولربّما يجب فعل ما يتبارى السياسيون لفعله، إنقاذ السمعة.. ففي عملها الرزين – في السلوك الأمريكي الرسمي للقرن العشرين- والذي يدور حول مواجهة القتل الجماعي، استشهدت سامانثا باور بإلقاء اللوم على الضحية باعتباره أحد أعذار رئيس الوزراء، إن التخلي عن السوريين يجب أن يكون مختلفاً عن أولئك الذين تخلى العالم عنهم في السنوات الماضية، وليس بطريقة ملحوظة بشكل رهيب نظراً لما يمر على القيادة في الغرب، ولكن وزير الخارجية جون كيري ليس الشخص المناسب للقيام بذلك، ومن المفارقات فإن إدارة أوباما بالكامل يتوجّب عليها وضع الأمور في نصابها الصحيح.
في النهاية، إن روسيا وإيران يحتاجان لبشار الأسد في السلطة أكثر بكثير من رغبة الغرب في تنحيته، وبوَضع خطاب "الويسكي" جانباً وما يتعلق به من وجوب التنحي، والخطوط الحمراء وما شابه ذلك، فقد كان هناك تفاوت كبير في المصالح بين أولئك الذين يقتلون دون أي جهد يذكر وأولئك الذين يرغبون بصدق بفعل شيء مختلف ولكن ما بيدهم من حيلة، وكان هذا خطأ هائلاً.
عندما قال مستشارو الأمن القومي الرئيسيين لأوباما في صيف عام 2012 بأن حكم الأسد الرديء وارتكابه للقتل الجماعي، سيجعل من سوريا ملاذاً آمناً لتنظيم القاعدة، كانوا يعلمون ما كانوا يتحدثون عنه، ولكن هذه الإدارة تعنتت ورفضت القيام بأي شيء على الإطلاق لتخفيف العقاب والقتل الجماعي والجرائم في سوريا، وهو ما يثير السؤال الحقيقي حول التزامها بمعالجة قضايا الحكم الأساسية التي أدت إلى بروز التطرف الإسلامي، فكل شيء على ما يرام عندما تتم مطاردة الأشرار باستخدام الطائرات بدون طيار والطائرات العسكرية، والميليشيات الكردية، طالما لا يوجد أي ضغط أو هجوم على الممكّنين الأكبر والدّاعمين والمنشئين الرئيسيين 'للبغدادي" الأكثر فعالية وكفاءة -روسيا وإيران والأسد- فما مدى جدية هذا المسعى في مكافحة الإرهاب يا ترى؟
إن محاولة إلقاء اللوم على الضحايا هو أمر غير مهذب ومخلّ بالشرف، ويجب على جون كيري ترك هذه القطعة من الأحداث غير السارة والبغيضة للآخرين، فقد عمل كيري بجدّ مع القليل جداً من الإمكانيات في سعيه، وفي غضون الأسابيع القليلة المتبقية له في وزارة الخارجية، يجب عليه القيام بكل ما في وسعه لإنقاذ الأرواح البريئة دون توجيه أي إهانة لأولئك الذين يقاتلون -كما فعل هو بنفسه سابقاً- من أجل حرية وكرامة بلدهم.
-فريدريك هوف مدير مركز رفيق الحريري في المجلس الأطلسي لمنطقة الشرق الأوسط.