الغارديان – (ترجمة بلدي نيوز)
بينما تقوم قوات الأسد المدعومة من قبل الروس، بخطوتها النهائية في ثاني أكبر المدن السورية وأعرقها، يمكن للعالم أن يعول فقط على تكلفة الكارثة الإنسانية والعسكرية التي فشلوا في إيقافها!
آباء مُنهكون يحملون أطفالهم المذعورين بين أذرعهم، شباب يدفعون كبارهم في عربات بدائية أو كراسي متحركة، وأسر تجرّ حقائبها المُكتظّة: مشاهد من شرق حلب تروي قصة هجرة جديدة، في حين تتقدم قوات الأسد بدموية على آخر معاقل المعارضة المناهضة للأسد في المدينة، مدعومة من الميليشيات الشيعية العراقية والإيرانية والأفغانية ومليشيات حزب الله، ويتم تطويق المئات من الرجال الذين اختفى الكثير منهم ومن أقاربهم فضلاً عن نشطاء حقوق الإنسان، ويخشى أنهم قد يكونوا قد قتلوا بالفعل، أو قد أصبحوا ضحايا لشبكة الأسد من السجون ومراكز التعذيب حيث تم قتل عشرات الآلاف من السوريين.
لقد كانت الهجمة الدموية الشرسة الأسدية والروسية مستمرة منذ أسابيع على المدينة، ولكنها باتت الآن بشدة جديدة، حيث أنها تقترب ما يمكن أن يكون نهاية اللعبة، استراتيجية القصف العشوائي والإرهاب والتدمير والحصار، تهدد بتحويل هذا الجزء من المدينة السورية العريقة والأقدم إلى مقبرة عملاقة، حيث ألقيت منشورات جيش الأسد على المدينة تحذيراً للسكان بأن عليهم الفرار، أو مواجهة الإبادة الكارثية.
شرق حلب، معقل الثوار المناهضين للأسد في المدينة بات محكوماً عليه بالدمار المطلق، في حين نشرت على وسائل الاعلام الاجتماعية رسائل يائسة لمواطنين من حلب تظهر ما يشبه بالمناشدات النهائية، لقد ذهب الأمل، وقد وصف ممثل الأمم المتحدة الوضع بأنه "الجحيم"، بينما كان المسؤولون الحكوميون في وزارة الخارجية الأميركية واضحين بشأن عدم وجود أي شيء يمكنهم القيام به، وعقدت الدول الغربية اجتماعا طارئاً لمجلس الأمن، ولكن عدا كلمات الإدانة والتحذيرات من كارثة إنسانية عجزت مؤسسات الأمم المتحدة بشكل واضح عن تقديم أي شيء، بينما وصفت فرنسا حلب بـ"ما يمكن أن يكون أكبر مذابح للسكان المدنيين منذ الحرب العالمية الثانية".
وفي الوقت نفسه فإن آلة الدعاية الروسية تجتهد في العمل جنباً إلى جنب مع إعلام نظام الأسد، في محاولة لتأطير الأحداث بكونها "تحرير" للسكان الذين وصفوهم بـ "رهائن الإرهابيين الإسلاميين"، إن هذا الأمر غير صحيح البتة كما هو ساخر ومقيت، إن "الإرهابيين" هو مصطلح يطلق على كل معارض للأسد منذ اندلاع انتفاضة عام 2011 في الشوارع ضد ديكتاتوريّته، تلك الثورة التي تحولت مرغمة إلى حرب شاملة بعد أن قرر الأسد التشبث بكرسيه بقوة، واستخدام القوة العسكرية، بما في ذلك الصواريخ، والقنابل البرميلية والأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وفي صيف عام 2015، عندما بدا الأسد على وشك أن تتم الإطاحة به، أطلقت روسيا عمليتها العسكرية في سوريا وفقاً لمصالحها، في حين أن الغرب تشدّق بالعملية الدبلوماسية، وواصلت إدارة أوباما خطاباتها الفارغة عديمة الجدوى.
لقد كان الهدف الواضح من الخطوة الروسية يتجلى بعكس ديناميكيات الحرب وتعزيز عميلها المحاصر بشار الأسد، وترسيخه في سدة الحكم في سوريا وذلك وفقاً للمصالح الروسية، قبل أن تقوم بنشر أنظمة الدفاع الجوي المتطورة S-400 وتثبيتها في المنطقة، مستفيدة من التردد الغربي بالتورط في الصراع، في وقت كانت فيه واشنطن قد منحت ضوءها الأخضر لجرائمهم حينما أوضحت بأن أولويتها كانت تتجلى بقتال تنظيم الدولة الإرهابي، وبدلاً من وضع حد لتلك المجازر المنفذة على أيدي قوات الأسد، تحولت روسيا لمساعد رئيسي له لارتكاب المزيد من الفظائع، في موسكو فإن المسؤولين يشيرون الآن إلى أن الوضع في شرق حلب سيتم "حَلُّهُ" بحلول نهاية العام، يجب الإشارة ها هنا بأن هذا سيعني أن ما يقدر بنحو 250،000 نسمة لا يزالون هناك، سيُرغمون في بداية هذا الأسبوع إما للمغادرة ومواجهة الاعتقال والتعذيب، أو الموت قصفاً.
إن مصير حلب المعارضة، توضح الفشل الذريع للسياسات الغربية المتناقضة والمترددة والمجزأة، إنها إهانة للأمم المتحدة، وبصقة في وجه الأمن والسلام ومواثيق العدالة والإنسانية، فسقوط مدينة حلب سيكون نصراً لا لبس فيه للاستراتيجية الدموية الديكتاتورية، وستنضمّ حلب حينها إلى القائمة المشينة للمدن التي ارتبط اسمها بالجرائِم الجماعية التي ارتكبت في حين بدا العالم عاجزاً ومكتوف الأيدي: سربرينيتشا، غروزني، وغرنيكا، ولمبدأ" أبداً لمجزرة أخرى"، إن العواقب سواء بالنسبة للتطرف ولميزان القوى العالمي، من الصعب التنبؤ بها الآن بالضبط، ولكنها لن تبشر بأي خير على الإطلاق.