ما معضلة نظام الأسد وحلفائه في سوريا؟ - It's Over 9000!

ما معضلة نظام الأسد وحلفائه في سوريا؟

نيويورك تايمز – (ترجمة بلدي نيوز)
حصل النظام الديكتاتوري السوري على مكاسب إقليمية في حلب يوم الاثنين، دافعاً مقاتلي المعارضة والآلاف من المدنيين للخروج من المدينة، ويبدو بشار الأسد كما لو أنه قد بدأ أولى خطى النجاة من الثورة، حتى في تقدير بعض أشد معارضيه، ومع ذلك فإن انتصار الأسد إذا ما قام بتحقيقه، قد يكون باهظ الثمن جداً: إذ أنه سيحكم على مساحة من القفار والاقتصاد المتردّي في مقاومة ولو على مستوى منخفض دون وجود أي نهاية في الأفق، كما يقول الدبلوماسيون والخبراء في مجالات الشرق الأوسط.
ففي الوقت الذي امتصّت فيه قوات الثوار في حلب أقسى ضربة منذ حرروا أكثر من نصف المدينة منذ أربع سنوات، يجدر الذكر بأن الهجوم الأخير على المدينة قد تضمّن أشهراً من الحصار والقصف الذي دمر أحياء بكاملها من المدينة، حلب والتي كانت سابقاً أكبر مركز رئيسي للصّناعة السورية.
وإذا ما سقطت حلب، فإن نظام الأسد سيسيطر حينها على أكبر خمس مدن في البلاد ومعظم غرب البلاد الأكثر سكاناً، ومن شأن ذلك أن يترك للمعارضة المكافحة له فقط محافظة إدلب وعدداً قليلاً من الجيوب المعزولة في حلب وحمص وحول العاصمة دمشق، ولكن المحللين يشكّون في أن هذا السيناريو من شأنه أن يضع حداً لخمس سنوات من الحرب التي دفعت بخمسة ملايين سوري نحو المنفى وقتلت لا يقل عن نصف مليون شخص.
يقول ريان كروكر الدبلوماسي المخضرم في الشرق الأوسط بما في ذلك لبنان وسوريا والكويت والعراق، حيث شغل منصب السفير الأميركي، بأنه يعتقد بأن القتال في سوريا سيستمر لسنوات أخرى حينها، لأنه وبمجرد سيطرة نظام الأسد على المدن، فإن الثوار سينتقلون نحو الأرياف، إذ قال: "إن الحرب الأهلية في لبنان هي مقارنة تستحق النظر، فقد كانت طويلة وشديدة ودموية، استغرقت 15 عاماً قبل أن تنتهي، ولم تنتهي إلا عندما قام الجيش السوري باجتياح لبنان، وفرض سيطرته"، قبل أن يضيف: "وبالنسبة لسوريا، فقد مضى خمس سنوات فقط، وليس هنالك من دولة لتجتاح وتضع حداً للحرب".
قبل حوالي السنة، كانت مثل هذه النتيجة لا يمكن تصورها، وحتى لو انتصر الأسد في نهاية المطاف، فقد كان التفكير يذهب بأنه قام بتجاوز الكثير من الخطوط الحمراء التي تجعله منه شخصاً "مرفوضاً" تماماً ليبقى في السلطة، بدءاً من استخدامه لما يسمى بالقنابل البرميلية، والأسلحة الكيميائية ضد مناطق مدنية، وممارسته للتعذيب الممنهج، والأعمال التجارية التي قام بها مع تنظيم الدولة الإرهابي من وقت لآخر عن طريق شراء نفطه، حيث قام بخرق العديد من المعايير الدولية التي كان من المتوقع أن تدفعه للتنحي بموجب القانون الدولي، مما يفسح الطريق لتشكيل حكومة جديدة من شأنها أن تكون غير دموية كالأسد.
ولكن بدعم قوي من القوة الجوية الروسية والخبرات الإيرانية والمجندين من الميليشيات العراقية والإيرانية والأفغانية ومليشيا حزب الله اللبناني، قام نظام الأسد بعكس التيار، باستعادة الأرض تدريجياً التي كان قد خسرها في الحرب في وقت سابق.
يقول روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا، والزميل البارز في معهد الشرق الأوسط: "إن التدخل الروسي والإيراني غيّرا تماماً من ديناميكية الأسد"، مضيفاً: "انظروا إلى المعارك في حلب، إن هنالك عدد أكبر من عناصر حزب الله اللبناني ومقاتلي الميليشيات العراقية والإيرانية والأفغانية أكثر من أولئك الجنود السوريين في جيش النظام، ولذلك فإن حرب الاستنزاف التي كانت تحدث ضد الأسد لم تعد تستنزفه، بسبب القوى العاملة الإيرانية".
واستطرد السيد فورد قائلاً: "ولكن الجانب الأكثر سواداً يبرز في السؤال عن البلاد التي ستبقى في نهاية المطاف، سيبقى الأسد والروس والإيرانيين، ليحكمون على "نصف جثة قتيلة"، ستكون سوريا فقط هي ذلك الجرح الغائر والممتد على مد النظر".
كما سيكون الأسد ممتنّاً بشكل دائم إلى اثنين من رعاته -روسيا وإيران، وملعون من قبل العديد من مواطنيه في البلاد ذات الأغلبية السنية، ومرفوضاً من قبل بعض القوى السنية الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط، وكما يقول بعض الخبراء، فإن الأمر قد يعني بأنه سيواجه جهوداً كبيرة من إيران لترسيخ نفوذها الإقليمي من خلال توسيع نفوذها الشيعي في سوريا والمطالبة بدور في المناطق التي احتلتها ميليشياتها مثل حلب، وربما حتى تعيين الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران هناك.
ويفتقر الثوار إلى مساعدات عسكرية متسقة، لا سيما مع الإدارة القادمة للرئيس المنتخب دونالد ترامب والذي عبّر عن شكوكه بشأن المستوى الحالي من الدعم الأمريكي لهم، في حين أن هنالك جماعات ذات طموح خاص ومختلف عن الثوار الحقيقيين كالقاعدة والانفصاليين الأكراد، والذين شهدوا انخفاضاً في الآونة الأخيرة، ليس فقط في المقاتلين ولكن في دعم المجتمع المحلي، وكانوا دائماً عاملاً حاسماً في حرب العصابات.
وعندما دخلت روسيا في النزاع السوري في العام الماضي، تنبأ الفريق الأمني للرئيس أوباما بأنها ستغرق في "مستنقع"، ولكن حدث العكس هنا: باتت روسيا تبدو الآن قوية، كما قامت جنباً إلى جنب مع إيران، بمنح النظام الديكتاتوري السوري الموارد اللازمة لتحقيق تقدم عسكري.
يقول إميل حكيم، الزميل البارز في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية لمكتب الشرق الأوسط في البحرين: "في الوقت نفسه، تكبّدت واشنطن بنفسها تكاليفاً استراتيجية باهظة لقرارها بعدم المشاركة".
ويضيف حكيم قائلاً: "يبدو بوتين صعباً ومراوغاً، في حين تبدو أمريكا عاجزة وغير قادرة على الحفاظ على التزاماتها، وهذا مكسب كبير لبوتين لأن هناك الكثير من الدول في المنطقة التي بات تعيد تقييم علاقاتها"، قبل أن يستطرد منوّهاً: "إن روسيا الآن هي قوة أضعف نسبياً من الولايات المتحدة، ولكن بوصول ترامب إلى سدّة البيت الأبيض فليس هناك توقعات بأن الولايات المتحدة ستكون الضامن للأمن الإقليمي، لذلك فإن روسيا باتت تعتبر شريكاً جذاباً للغاية".
وتدريجيا، حاول الأسد القضاء على خصومه في المعارضة الأكثر تصميماً، في حين الجهات الفاعلة الإقليمية الذين يعارضون الأسد، لها حدود في دعمها للمعارضة، الأوروبيون والذين كانوا خصوماً شرسين للأسد، كانوا صامتين إلى حد كبير في حين أنه كان يقوم بتدمير حلب، ولكن المحللين يقولون بأن هذه المعركة الأخيرة ستكون لها أيضاً تكلفة باهظة، وفي الغالب فإن القارة الأوروبية وقبل كل شيء تريد للحرب أن تتوقف لوقف تدفق اللاجئين الذين يحاولون عبور حدودها.
في ألمانيا، الدولة الأقوى اقتصادياً في أوروبا وتلك التي أخذت على عاتقها حتى الآن أكبر عدد من اللاجئين يقول السيد كروكر: "إن أنجيلا ميركل كانت معلقة، فإما أن تقود الولايات المتحدة، أو لا أحد سيقوم بالقيادة، في حين أن ميركل لا يسعها القيام بذلك بمفردها".
ومع ذلك، يمكن لفوز المستبدّ الأسد بجعل أوروبا في مواجهة خيار هوبسون: إما المساعدة في دفع تكاليف إعادة الإعمار في سوريا أو مواجهة التدفق المستمرّ للاجئين دون مساعدة اقتصادية، سيكون هناك القليل من الدوافع لإبقاء الناس في سوريا، لا سيما إذا استمر الأسد في حكمه، كما يقول المحللون، وعدا أوروبا، فإن من الصعب أن نرى أين يمكن للأسد أن يجذب الأموال التي سيحتاجها لإعادة بناء بلده المدمر.
ويمكن لذلك أن يترك سوريا في حالة طويلة من الحرب والفقر، يقول السيد فورد: "أين هو التمويل لإعادة البناء؟ لا أعتقد أن روسيا وإيران ستتمكّنا من تحمل الأمر، كما أنني لا أعتقد بأن الصين ستقوم بذلك"، وقال مضيفاً: "إنهم بحاجة إلى مئات المليارات من الدولارات".
في حين أن الكونجرس الأمريكي من غير المرجح له أن يقوم بالمساهمة، ولا مؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث معارضو الأسد كالولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية يملكون نفوذاً كبيراً.
ومن المستبعد أيضاً قيام الولايات المتحدة ببذل أي جهد متجدد في سوريا، فلطالما قاوم أوباما التورط في الحرب السورية صابّاً تركيزه على هزيمة تنظيم الدولة، بينما قام بتقديم التدريب والدعم المحدود جداً بل والضّئيل للثّوار المعارضين لنظام الأسد، كما من المتوقع أيضاً أن يستمرّ ترامب بسياسة التركيز على تنظيم الدولة الإرهابي، بينما كان قد أعرب عن عدم اهتمامه بالحفاظ على تقديم الدعم لمقاتلي الثوار.
وفي الوقت نفسه، يبدو الآن بأن نظام الأسد المستبدّ بات يتحرك بشكل منهجي لتدمير مواقع المعارضة المتبقية حول حمص ودمشق وحلب، إن الكلمات اليائِسة المستخدمة من قبل النشطاء السياسيين والمدنيّين والمقاتلين في مقابلاتهم عبر تطبيق WhatsApp، من داخل الأماكن التي تتعرض حالياً للقصف مراراً تشير بأن مقاومة الثوار لربما قد اقتربت من حدودها، وخاصة في حلب.
يقول الناشط المعارض من حلب -هشام، والذي رفض الكشف عن اسمه بالكامل خوفاً من انتقام وبطش النظام، بأن فصائل المعارضة كانت مجتمعة في مطلع الأسبوع بشكل مستمر لمناقشة الخيارات المتاحة أمامهم، في حين كانت معظمها تتضمن مفاوضات وصَفقات مع النظام السوري في محاولة للحصول على مساعدات للمدنيين في شرق حلب، الذين هم في أمس الحاجة إلى الغذاء والدواء والوقود والمياه النظيفة.
إن أمام الثوار معضلة كبرى، إما بالاستمرار بالقتال والسماح للناس بالموت جوعاً وقصفاً، أو بالمفاوضة على إلقاء أسلحتهم ليقوم نظام الأسد والميليشيات الإيرانية والجيش الروسي بالسماح لقوافل المساعدات الإنسانية بالدخول، ولكن إذا ما فعلوا ذلك، فإنهم سيكونون قد تنازلوا عن الأرض لصالح النظام السادي عقب صمود أسطوري دام لسنوات.
يقول هشام: "ليس من السهل أن نقرر ما يجب القيام به الآن: فإذا ما رفضنا، فإن هذا سيكون بمثابة القرار بإعدام 300،000 مدنيّ، وإذا ما وافقنا فإننا نقوم بتحويل الثورة إلى مساعدات ورفع الحصار..... " قبل أن ينقطع بصوت هشام!
إن الحرمان الشديد والمطلق من الحياة، يمكن أن يجعل حتى أكثر النشطاء المعارضين حماساً بالبحث عن الحلول، وهذا هو بيت القصيد من استراتيجية نظام الأسد في محاصرة معاقل الثوار، باسم أيوب، الناشط الآخر من حلب، يصف الشعور بالحصار القاسي في نهاية الأسبوع الماضي قائلاً: "إن العديد من المواد الغذائية باتت مفقودة في حلب، الخضروات الفاكهة والقهوة وحليب الأطفال وكذلك الحفاضات والغاز والوقود"، قبل أن يضيف: "إذا ما سألت أطفال حلب الآن عن أحلامهم، سيخبرونك بأنهم يحلمون بالموز والتفاح والدجاج، لقد باتت تلك هي أحلامهم".

مقالات ذات صلة

توثيق مقتل 89 مدنيا في سوريا خلال تشرين الثاني الماضي

قائد "قسد": الهجمات التركية تجاوزت حدود الرد وأضرت بالاقتصاد المحلي

لمناقشة العملية السياسية في سوريا.. "هيئة التفاوض" تلتقي مسعود البرازاني

"رجال الكرامة" تعلن إحباط محاولة لتصفية قاداتها

تقرير يوثق مقتل 27 شخصا خلال تشرين الأول الماضي في درعا

إسرائيل تعلن اعتراض "مسيرة" انطلقت من الأراضي السورية