بلدي نيوز – إدلب (أحمد رحال)
وصلت عشرات العائلات العراقية قبل أيام، إلى مخيمات النازحين في منطقة "أطمة" شمالي محافظة إدلب، قادمين من الموصل، هرباً من الحرب المستعرة في مدنهم وبلداتهم، علهم يجدون مكاناً آمناً لأبنائهم، في رحلة نزوح طويلة ذاقت فيها العائلات النازحة مرارات الموت مرات عدة، حتى وصلت لمخيمات "أطمة".
بلدي نيوز قابلت بعض العائلات الوافدة من العراق، ووقفت على العذابات التي عانوها خلال مراحل النزوح التي مروا بها من لحظة خروجهم من مدنهم وبلداتهم حتى وصولهم إلى محافظة إدلب، قاطعين مئات الكيلومترات عبوراً بمناطق سيطرة الحشد الشعبي الشيعي، والميلشيات الكردية، وتنظيم "الدولة"، والجيش الحر..
مكابدات الرحلة روتها بقلب يفطره الألم "أم عمر" التي حسب قولها نجت من الموت مرات هي وأطفالها الخمسة، أثناء قطع الطريق المحفوف بالمخاطر.
تقول "أم عمر" إنها أجبرت على ترك بلدها في مدينة صلاح الدين العراقية بعد أن قتل "الحشد الشعبي" الشيعي زوجها أمام ناظريها وأطفالها، فلم يكن لديها خيار ثان سوى الهرب مع أبنائها الخمسة الذين لم تتجاوز أعمار أكبرهم العشر سنوات من المدينة، فواجهت الموت في خروجها وسط القصف المدفعي العنيف ورصاص القناصات التي ترصد كل حركة.
وتتابع "أم عمر" أن قوات الحشد الشيعي دخلت قراهم وحرقت ودمرت كل ما وجدته أمامها من أرزاق ومنازل، كما قامت بقتل المئات من الشباب والرجال واعتقلت المئات أيضاَ، ليهرب كل من نجا من مجازرهم باتجاه الحقول والمزارع، وتبدأ رحلة البحث عن ملجأ آمن لكل من بقي على فيد الحياة.
بدأت الرحلة بعبور نهر الفرات، والمصاعب الكبيرة التي روتها "أم عمر" ودموع الحزن تختلط بدموع الفرح حزناً على فراق أرضها وموطنها ومقتل زوجها وكل من شاهدت أمام عينها، وفرحاً في نجاحها وأبنائها باجتياز أولى خطوات الفرار بعد أن عبروا نهر الفرات، وشاهدوا أمامهم كيف فقدت بعض العائلات أبناءها في النهر الهائج، دون أن يتمكنوا من فعل شيء.
تلاها التوجه باتجاه منطقة الموصل حيث تعرضت قوافل النازحين لقصف جوي لمرات عدة، نجا منها من نجا، ووصل الناجون إلى محافظة الرقة السورية الخاضعة لسيطرة تنظيم "الدولة"، علهم يجدوا فيها ما يطلبون من أمن، إلا أن التنظيم خذلهم ولم يقدم لهم أياً من متطلبات الحياة كالمأكل والملبس والمسكن، فباتت عشرات العائلات في العراء، وبدأت تفكر بالبحث عن مكان آخر تنزح إليه.
إهمال التنظيم للعائلات العراقية الهاربة من جحيم "الحشد الشعبي"، جعلهم يلجؤون للمهربين من مناطق التنظيم، ويدفعوا كل ما يملكون من مال ومصاغ مقابل نقلهم لمناطق الثوار في الشمال السوري، في رحلة شاقة بين الحقول والمزارع والقفار متجنبين العبور على حواجز التنظيم، كي لا توقفهم وتمنعهم من إكمال الطريق، حتى وصل بهم المطاف لمحافظة إدلب، ووصلوا إلى مخيمات الشمال، حيث لاقوا من قدم لهم العون ونقلهم لأماكن مؤقتة للعيش فيها، تمهيداً لنقلهم لمساكن مخصصة للعائلات الهاربة من جحيم الموت المنتشر في كل مكان.
"أم عمر" التي تمثل جانباً واحداً لعذابات العراقيين في ظل الهجمة الشرسة لقوات "الحشد الشعبي" الطائفي، وطائرات التحالف على المدنيين العزل، وصلت قصتها من آلاف القصص والعذابات المنسية، والتي غابت عن وسائل الإعلام واندثرت بين ركام المنازل أو البراري والصحارى هاربة من الموت إلى لموت، لتتلاحم المأساة وتجتمع القصص والحكايا لعذابات المهجرين بين العراق وسوريا في مخيمات النزوح في "أطمة"، فتنجو بضع عائلات من الموت بينما ترزح الآلاف منها تحت نيران القصف الروسي والأمريكي بأيد تزعم إنها عربية مقاومة وممانعة!.