بلدي نيوز – (نور مارتيني)
في كلّ مرة، وحين يسعى التحالف الدولي إلى تحقيق انتصار ما، وإن كان هذا الانتصار على صعيد "البروباغاندا" يلجأ إلى ورقة تنظيم "الدولة" وزعيمه "البغدادي"، لينسب لنفسه إنجازاً وهمياً، يمكن اللجوء إليه كقرينة على أهمية وجدّية أدائه.
هذا الأسلوب ليس جديداً مع تحالف تتزعمه الإدارة الأمريكية، التي عمدت قبل نحو ربع قرن إلى استخدام ورقة "صدام حسين" كوسيلة لاستنزاف العراق، كما هو الحال مع ورقة "بشار الأسد" في سوريا، و مع كل نهاية فترة رئاسية كان سيد البيت الأبيض يستخدم هذه الورقة لتقديم كشف حساب حول فترته الرئاسية، ففي عام 1998 ومع نهاية ولاية بل كلينتون الأولى، قامت أمريكا وحليفها الأزلي بريطانيا بتوجيه ضربة جوية للعراق، دون أن تتوصل إلى هدف حقيقي.
وكذلك جاءت الحرب على العراق عام 2003، والضربة الجوية للنظام السوري عام 2012، على سبيل الترويج الانتخابي خارج أراضي الولايات المتحدة. فيما تظل ورقة أعلام التطرف رابحة بيد من يعرف كيف يدير هذا النوع من الصفقات، من أسامة بن لادن، مروراً بالزرقاوي، وليس انتهاء بالبغدادي الذي خرج اليوم بعد صمت طويل في كلمة يدعو فيها أنصاره إلى استهداف كل من تركيا والسعودية، وحثهم على دعم "تنظيم الدولة".
ما أثار دهشة متابعي الحرب على التنظيم أن "البغدادي" لم يدع إلى مهاجمة النظام السوري أو إيران، أو حتى "روسيا"، بل دعا إلى مهاجمة دولتين تعتبران الحاضن الأهم للطائفة السنية التي يدّعي البغدادي تمثيلها، ناهيك عن التوقيت المريب، الذي يتزامن مع أيام الحسم في السباق الرئاسي الأمريكي، على الرغم من الإعلان عن مقتله في الموصل قبل بضعة أشهر، فيما زعمت "روسيا اليوم" أنه قتل في ريف الرقة، للتدليل على جدية أداء التحالف، وأهمية إنجازاته.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يشاع فيها عن مقتل البغدادي، ففي عام 2014،أعلن عن مقتل البغدادي على يد "وحدات الحماية الكردية"، أثناء هجوم "داعش" على "عين العرب/كوباني" وهو ما يؤكد أن الموضوع عبارة عن مادة للاستثمار الإعلامي، بغية الترويج لدور وحدات الحماية الكردية في مواجهة "التطرف الإسلامي".
ويرى الباحث السياسي "عبد الكريم عنكير" أنه "في ظل الانحسار الذي يعيشه تنظيم الدولة ''داعش''، وبعد حوالي العام على الغياب عن الخطابة، يطل زعيم التنظيم (أبو بكر البغدادي) عبر تسجيل صوتي يكيل فيه الاتهامات، ويطلق التهديدات تجاه كل من تركيا والعربية السعودية وجماعة الإخوان المسلمين" ،ويشير "عنكير" إلى أن هذا الظهور الإعلامي للبغدادي "يثير الكثير من التساؤلات، حول جدية وأهمية وطبيعة هذه التهديدات، وتوقيتها".
ويلفت الباحث السياسي إلى أنه "يبدو أن تركيا لم تأخذ هذه التهديدات على محمل الجد، ولم ترد عليها ولم تعتبرها ذات أهمية"، موضحاً أنه "بل يمكن أن تستفيد منها وهي التي اعتبرت من قبل المجتمع الدولي (بوابة الإرهاب)، ومدخل الإرهابيين إلى سوريا".
كما يشير "عنكير" إلى أنه "يمكن الذهاب أكثر من ذلك في التدليل على مركزية الدور التركي في محاربة التنظيم، من ضمن تحالف دولي يضم أكثر من 60 دولة، خاصة بعد السيطرة على دابق وجرابلس والعيون المتجهة إلى الرقة. وفي نفس السياق يمكن فهم التهديدات ضد السعودية من خلال دعمها للمعارضة الإخوانية من الباب التركي، واحتضان تركيا لقيادات الإخوان حسب زعم التنظيم طبعا."
كما يوضح الباحث السياسي "عبد الكريم عنكير" أنه "من المفارقات عدم استهداف إيران ودول التحالف بمثل هذه التصريحات، رغم وجود قاسم سليماني قائد فيلق القدس كمستشار للحكومة العراقية المحاربة للتنظيم، بمساندة من الميليشيات، والحشد الشعبي، والميليشيات الشيعية، والبشمركة، في المعركة ذاتها".
يبدو أن توقيت ظهور "البغدادي"، هو بمثابة التهديد لتركيا، بإغراقها في المشاكل، والتطرف الإسلامي، فضلاً عن مشاكلها مع حزب العمال الكردستاني، في حال لم تمتثل للرغبات الدولية، وتستجيب لدعوة أوباما بطرد تنظيم "الدولة" من الرقة، ولكن إلى جانب "وحدات الحماية الكردية"، وهو ما ترفضه تركيا، حتى اللحظة.