بلدي نيوز – (نور مارتيني)
تصعيد ملحوظ يشهده الشمال السوري منذ عدة أشهر، خاصة في ظل تصميم العديد من الأطراف على الخروج بنصر سياسي، وإن كان على حساب المدنيين والشهداء السوريين.
تزامن هذا التصعيد مع انتشار ظاهرة التفجيرات، والسيارات المفخخة، ما أدى إلى مزيد من التدهور في الأوضاع الأمنية، وفي محافظة إدلب على وجه الخصوص. التفجيرات غالباً ما كانت تستهدف قادة فصائل عسكرية، ولا تعبأ بالمدنيين وأرواحهم.
وتأتي الخلافات الإيديولوجية لتضيف صنفاً جديداً من صنوف المعاناة، كان آخرها تلك الفتوى التي أطلقها منظر التيار السلفي الجهادي في الأردن عاصم البرقاوي، المكنى بأبي محمد المقدسي، والتي أفتى بموجبها بحرمة التعاون مع الجيش التركي في حال تدخله في الشمال السوري ضد تنظيم "داعش".
وكان قد أفتى بأن "من أجاز الاستعانة بالكفار على الخوارج للضرورة اشترط أن لا تكون الغلبة للكفار، وذلك لخطورتها، فهي كالاستعانة بالذئاب على الكلاب".
بعد صدور هذه الفتوى تعرّض معبر "أطمة" الإنساني لعمليتي تفجير، أولاهما في 15 آب المنصرم، وأودت بحياة 35 شخصاً، أما الثانية فهي تلك التي وقعت اليوم الخميس، والتي أسفرت عن استشهاد 35 شخصاً أيضاً، بينهم أحد المسؤولين في حركة "أحرار الشام" المدعو هشام خليفة، وخالد السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى في حلب، وحمد الفرج النائب العام لمجلس القضاء الأعلى في حلب.
ويقع معبر "أطمة" الإنساني على الطريق الواصل بين ريف إدلب وولاية "هاتاي" التركية.
حول تفاصيل عملية التفجير، يقول مدير فريق "غراس الأمل" التطوعي عبد الرزاق عبد الرزاق، أحد الشهود العيان: "عثر اليوم على حقيبة وضعت على طرف المعبر، لاحظها أحد الأمنيين فقام بإبعادها عن المعبر، غير أن ما حصل أن الحقيبة كان يمكن التحكم فيها عن بعد، فتم تفجيرها لاسلكياً"، ويوضح "عبد الرزاق" أن "التفجير نفذ مع دخول نوبات التبديل لحرس المعبر".
ويؤكّد "عبد الرزاق" أن "الانفجار كان شديداً لدرجة أن الأشلاء المتطايرة سقطت بين الخيام في المخيم، على بعد 500م، ما تسبب بحالة هلع في صفوف المدنيين والأطفال"، ويلفت إلى أن "الفرق الهندسية، متواجدة في المقرات، وكان وصولها يتطلّب وقتاً ريثما تصل للتحقق من أمر الحقيبة، إلا أن التفجير تم قبل وصولها"، وبحسب "عبد الرزاق عبد الرزاق" فإن التفجير أسفر عن مقتل 30 شخصاً على الأقل.
من جهته، يرى الصحفي "جمال مامو" أن "تفجير أطمة لم يكن الاختراق الأمني الأول لصفوف قوى المعارضة، سواء من قبل داعش أو من قبل أجهزة النظام عبر خلاياها النائمة، ومن المؤسف تكرار هذا الاختراق المكلف الذي تسبب في استشهاد عدد من مقاتلي الجيش الحر والمدنيين"، مبيناً أنّه "إن كان من سبب يكمن وراء نجاح داعش وغيرها في تكرار مثل هذا التفجير الإرهابي، فهو الإهمال الأمني وانتشار علاقات غير سليمة بين رواد المعبر والعناصر المكلفة بحراسته، كما رددت ذلك تقارير عديدة"..
في السياق ذاته، يقول "مامو" أن "الموضوع يمكن أن ينظر له أيضاً من زاوية التفاعلات الميدانية والمستجدات على الأرض، خصوصاً مع تمدد قوى عسكرية في مناطق متاخمة للمعبر وللمناطق الحدودية مع تركيا"، لافتاً إلى أنّ "هذا التمدد لن يطول عموماً وهو محكوم باعتبارات شد وجذب دولية وإقليمية هي التي صار لها الكلمة النهائية في إعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية في الداخل السوري".
ويعقّب الصحفي "جمال مامو": "لا أعتقد أن الجيش الحر، بتشكيله ووضعه الحالي، بقادر على ضبط الوضع الأمني لوحده، وهو لا شك بحاجة لتعاون إقليمي، ودعم دولي، والأهم تنسيق مستمر مع كل الفصائل والقوى العسكرية".
ما تزال خارطة المنطقة النهائية قيد التشكيل، واللاعبون الإقليميون كثر، وبما أن سوريا باتت مسرحاً لتصفية الحسابات الإقليمية، فالكل يسعى لإيجاد حلّ يتوافق وأهواءه، ويجنّد أمواله للتلاعب بهذا الملف، والخاسر هو الناس الذين خبروا كل أشكال الموت.