بلدي نيوز – (خالد وليد)
تصادف اليوم الذكرى الأولى لأول غارة روسية على سوريا، الغارة التي أطلقتها روسيا على قرية الزعفرانة بريف حمص الشمالي إيذانا ببداية الحملة الروسية على سوريا، والتي على الرغم من أن الروس أعلنوا أنهم سوف ينهونها وينتصرون فيها خلال أربعة أشهر، لكنهم أمضوا عاماً كاملاً بدون تحقيق النصر الموعود.
بدأ التدخل الروسي في سوريا قبل عام كامل من اليوم، التدخل الذي وصل حد الغزو المشترك، والاحتلال بما تحمله الكلمة من معنى، والذي على الرغم من مرور عام عليه لكنه لم يحسم أي شيء لحد الآن في سوريا، وما يزال الوضع غير مستقر بالنسبة للنظام وداعميه، على الرغم من كل ما قدمته روسيا بشكل مباشر.
فالنظام الذي كان على وشك الانهيار للمرة الثانية بعد أعوام من الدعم الإيراني، أتاه الدعم الروسي ليعيده للحياة مرة أخرى، وليزيد ضعفه ووهنه من جهة أخرى.
فقوات النظام التي زادت وبشكل مضطرد فيها نسبة الميليشيات الإيرانية والأفغانية بعد الدعم الروسي المباشر، أصبحت أكثر إدماناً وحاجة للدعم الجوي، الذي أصبحت روسيا تتحكم في نسبه للضغط على إيران والنظام، فمجرد توقفه أو انخفاض مستواه في أي معركة تتحول مباشرة إلى هزيمة مباشرة للنظام ومن رافقه من ميليشيات.
مئة طائرة
أهم ما في التدخل الروسي أنه كان تدخلاً جوياً بالدرجة الأولى، والذي يعتمد في أساسه وجوهره على قرابة 100 طائرة روسية قاذفة ومتعددة الأغراض وحوامة، نشرتها روسيا في مطار حميميم وتستخدمها كذلك من عدد من المطارات غربي سوريا، إضافة للعديد من الطائرات المسيرة وطائرات الشحن.
استخدمت هذه الطائرات لتنفيذ ما لا يقل عن 100 طلعة متعددة يومياً (بالطائرات القاذفة النفاثة) والطائرات الحوامة في المعارك وعمليات النقل، والاستخدام الواسع لعمليات الاستطلاع المتعدد الأنواع باستخدام الطائرات المسيرة، وطائرات الاستطلاع المأهولة.
يضاف إلى ذلك حصول روسيا على قاعدتين جويتين بالحد الأدنى في سوريا، واحدة في الساحل وواحدة شمالي شرق سوريا، كذلك دعمت روسيا سيطرتها على ميناء طرطوس، ونشرت العديد من المواقع العسكرية التابعة لها في غربي سوريا تحديداً وفي العديد من المناطق التي ترغب بتأمينها وضمان السيطرة عليها، في دمشق وغيرها من المدن، وأصبح الخط الواصل بين دمشق واللاذقية مروراً بحماة تحت سيطرتها الفعلية.
سوريا المفيدة
تركزت العمليات العسكرية الروسية بحكم توضع طائراتها في القسم الغربي من سوريا، حيث تركزت غاراتها في حلب وادلب وريف اللاذقية، إضافة لتنفيذها غارات بشكل أقل حدة على مناطق في ريف حمص ودمشق ودرعا، وغارات على الرقة ودير الزور حيث يسيطر تنظيم "الدولة".
المتابع لعمليات القصف وتوزعها وتركيزها، يفهم أن روسيا ركزت استراتيجياً وعسكرياً خلال عام من التدخل في سوريا على غربي سوريا أو المنطقة المسماة سوريا المفيدة، والتي تحتوي القدر الأساسي من الفصائل الثورية التي تقاتل ضد النظام، والتي عجز عن احتوائها أو هزيمتها خلال خمس سنوات.
ليأتي الروس ويدعموا قوة الأسد لتحقيق خرق من نوع ما خلال المعارك ضد الثوار، وبخاصة بسبب استخدامهم العنيف والواسع للطائرات والقصف السجادي، على أي مساحات خاضعة للثوار، ما تسبب بالكثير من المجازر والضحايا بين المدنيين.
منع السقوط
العامل البشري والتقني لا يعتبران المحرك الأساسي للتدخل الروسي بغض النظر عن مستواه، فالنظام مدعوماً بإيران التي تسيطر على خزان بشري شيعي كبير من عدد من الدول، لايزال قادراً على تأمين الحاجة من العناصر البشرية الرخيصة للقتال في الخطوط الأولى.
وحتى الأسلحة الروسية لم تتوقف عن التدفق للنظام والميليشيات المرافقة له منذ بداية المعارك.
ما يزيل السببين المباشرين الذين يرجع الكثيرون التدخل الروسي إليهما، لكن التقهقر الكبير لقوات النظام وخسارتها لعدد كبير من المناطق قبيل التدخل، يمكن اعتباره محفزاً له، والدخول بقوات عسكرية بهدف إعادة تثبيت أركان النظام المتهالكة، أكثر من إحراز النصر في معارك على الأرض.
ألفا غارة شهرياً
لا يوجد إحصائيات دقيقة لعدد الغارات التي نفذتها روسيا في سوريا، خصوصاً بسبب عدم تمييز طائرات النظام عن روسيا في الكثير من الحالات، لكن أبسط الفرضيات تتحدث عن تنفيذ الطائرات الروسية ما معدله ألفا غارة جوية شهرياً وسطياً، ليصل عدد الطلعات الجوية المختلفة على سوريا إلى أكثر من عشرين ألف غارة خلال عام، الأمر الذي يعتبر عدداً كبيراً جداً، ويشير لحجم الدمار الذي تتسبب به روسيا في سوريا.
حيث تركزت هذه الغارات على المناطق التي يسيطر عليها الثوار، والذين على الرغم من تكيفهم النسبي مع غارات طائرات النظام، لكن الغارات الروسية كانت أكثر شدة وعنفاً وبكميات أكبر من القنابل.
فبمعدل يقارب 100 غارة يومياً على الأقل، تلقي الطائرات الروسية ما لا يقل عن 150 طناً من القنابل يومياً على المدن السورية يومياً على المدنيين، أي ما يعادل 30 سيارة مفخخة للتنظيم على أقل تقدير، ما يظهر من هو الإرهابي الحقيقي في سوريا.
إيران وروسيا
التغول الايراني داخل سوريا وسيطرتها على كافة مفاصل ما تبقى من الدولة لم يصطدم بطريقة مباشرة مع التدخل الروسي الواقع حالياً، بل ما حدث هو تبادل وتداخل في المصالح التي يعمل كل من الطرفين على تحقيقه.
فروسيا تهتم بشكل أساسي بالمنطقة الساحلية من سوريا المطلة على خزان الغاز الهائل في المتوسط والملاصقة لتركيا، إضافة لاهتمامها بالعاصمة دمشق بسبب حاجتها إليها في حالة فرض أي حل سياسي لما لها من أهمية رمزية.
في حين تهتم إيران بمناطق وسط سوريا والمنطقة المحيطة بلبنان والجنوب وبممرها نحو القسم الجنوبي من العراق عبر البادية السورية، كذلك فروسيا بحاجة لإيران لدعمها بشرياً ولتغطية الكثير من المهام التي تحتاج لعناصر بشرية كبيرة، فهي تشن ما يمكن اعتباره حربا استباقية تراها ضرورية لتجنب حرب ثالثة في الشيشان والجمهوريات الاسلامية من الاتحاد السوفييتي السابق، التي ترزح تحت وصاية روسية مباشرة.
أما إيران تحتاج لروسيا لاستمرار برنامجها العسكري القائم أساساً على مخلفات الأسلحة الروسية، وتقاطع هذه المصالح مباشرة يرتبط بالمحافظة على نظام الأسد ودعمه فهو الحمالة التي يعلق عليها الروس والإيرانيون أسباب تدخلهم.
بماذا نجحت روسيا في سوريا؟
التدخل الروسي على الرغم من أنه لم ينجح في تحقيق أهدافه لحد الآن، لكنه يعمل بشكل مستمر وبخطوات منظمة ضمن مشروع يبدو أنه معد سلفاُ، حتى قبل دخول الروس إلى سوريا.
فبعد تأمين الروس للمنطقة الغربية التي تعتبر النطاق الآمن لقاعدتهم الجوية في اللاذقية، والتي تعتبر قلب قوتهم في سوريا، والقاعدة الأكثر أهمية لهم في سوريا.
العمليات العسكرية التي نجم عنها تطويق حلب، ترافقت مع عمليات ومفاوضات تهدف إلى تفريغ محيط العاصمة دمشق، من أي شكل من أشكال المعارضة، وتسليمها حرفيا لإيران، مستثمرين سنوات من الحصار الطويل الذي سبقهم اليه الأسد.
كما نجحت روسيا في تحقيق المزيد من التغيير الديموغرافي في العديد من المناطق، والتي تهدف فعلياً لتمكين النظام وإيران من الأرض ومنع أي مقاومة من الظهور لاحقاً، إضافة لعمليات الترويج الكبيرة التي عملت روسيا على الاستفادة من الحرب السورية في ترويج سلاحها وتقنيتها العسكرية في سوريا، تمهيداً لبيعها للعديد من الدول.
ونجحت روسيا في تشتيت العملية السياسية بشكل كامل، وصلت مرحلة رفض المعارضة السياسية السورية المشاركة فيها، ما يعني أن الروس حققوا عدداً من النجاحات التي ساهمت في تثبيت النظام، لكنهم فشلوا كذلك على الرغم من الاستخدام المبالغ فيه للقوة من السيطرة على العديد من المناطق التي على الرغم من القصف العنيف الذي دمرت فيه جميع مظاهر الحياة في المناطق التي قصفتها.
كذلك خسر النظام العديد من المناطق التي لم تستطع روسيا دعمه بما يكفي للحفاظ عليها، وخاصة أثناء عمليات تحرير تجمع الكليات، والعمليات القائمة حالياً لتحري حماة وريفها، والتي لم تستطع روسيا فعلياً دعم النظام المنهار فيها والذي يقف الثوار على بعد خطوات من السيطرة على حماة وتحريرها .
أهداف أكثر أهمية
تدعي روسيا أن الهدف الأساسي لدخولها، هو حماية السلم والأمن العالمي من تنظيم الدولة، والتي قتلت في أحدث إحصائية موثقة لضحايا عدوانها على سوريا قرابة 3260 شخصاُ خلال عام واحد، وهو توثيقياً أكبر من العدد الموثق للقتلى المدنيين الذين قتلهم التنظيم في سوريا خلال ثلاث سنوات.
إضافة لكون روسيا قتلت من المدنيين أكثر مما قتله التنظيم، الذي تدعي أنها جاءت لحماية المدنيين منه، إلا أنها على الرغم من ذلك تركز في قصفها على المناطق التي تحتوي الفصائل الثورية والجيش الحر وتعتبر التنظيم هدفاً ثانوياً تقصفه في الحالات التي تحتاج للصدام معه فيها فقط، وقد تكون مدينة تدمر التي تعرضت على الأقل لألف غارة مثالاً على ذلك .
ماذا دفع السوريين ثمناً لحمايتهم من "الارهاب"؟
الدخول الروسي إلى سوريا تربطه روسيا بأهداف نبيلة، مثل حماية حقوق الإنسان والقضاء على الإرهاب وحماية المدنيين من "الظلاميين" وغيرها من المبررات التي انهارت مع أول قنبلة سقطت على المدنيين.
فبناء على التقرير الذي نشرته الشبكة السورية لحقوق الانسان فقد وثقت استشهاد قرابة 3264 مدنياً بينهم 911 طفلاً و619 سيدة، ضمن ما لا يقل عن 169 مجزرة.
كما وثقت الشبكة بين الضحايا 32 من شخصاً من الكوادر الطبية، و11 من كوادر الدفاع المدني على الاقل و12 شخصاً من الكوادر الإعلامية، كما وثق التقرير 147 هجمة بالذخائر العنقودية، ووثق استخدام الروس للقنابل الحارقة 48 مرة.
كما سجل التقرير قصف 417 مركزاً حيوياً (مشافي مخابز محطات توليد كهرباء وتنقية مياه وغيرها ) تعرض للقصف، 25 منها تعرضت للقصف أكثر من مرة، كما وثق التقرير نزوح 59 ألف شخص من منازلهم على الأقل وتحولهم لنازحين شمالي حلب بشكل خاص.
الجميع "داعش"
أهم ما أعلنه الروس خلال بداية حملتهم الجوية على سوريا، أنه حيثما سقطت قنابل طائراتهم؛ فإنه يوجد عناصر تنظيم "الدولة"، ما يعني أن أي هدف تضربه الطائرات الروسية هو تابع للتنظيم، حتى لو كان خارج مناطق سيطرة التنظيم، وجميع من تقتلهم روسيا في سوريا هم من عناصر التنظيم حتى لو كانوا مدنيين ليس لهم علاقة به.