بلدي نيوز – (نور مارتيني)
يأتي طيران التحالف مؤخراً ليستكمل ملامح اللوحة السريالية، التي ترسمها التحالفات والتجاذبات الإقليمية، في الشمال السوري، من خلال قصفه لجسري "العشارة" و"الميادين" الذين يصلان ضفتي الفرات، في محافظة "دير الزور"، وهما آخر الجسور المتبقية على النهر في المحافظة.
حيث قصف جسر العشارة في "البوكمال" أثناء الليل الفائت، من خلال قيام طيران التحالف بتوجيه ضربة جوية للجسر خلال الليلة الفائتة، ما أدى إلى قطع كل سبل التواصل بين شطري محافظة "دير الزور". وتنبع أهمية الجسر من كونه يصل شطري المحافظة، واللذين يسميان بـ"الشامية" في القسم الغربي، و"الجزيرة" في القسم الشرقي، وصولاً إلى مدينة "العشارة" .
وسبق هذا القصف تدمير جسر "الميادين" الذي أدى إلى الفصل بين المدينة وريفها، فيما سبق وأن استهدفت جميع الممرات المائية التي يمكن سلوكها، للانتقال بين ضفتي النهر.
اللافت في الأمر، أن هذه التحركات تأتي عقب توتر الأوضاع بين أمريكا وروسيا، الدولتان اللتان يفترض أنهما عرابتا اتفاق "الفودكا- بيتزا" ونشر روسيا لبنود هذا الاتفاق، وهو ما كانت تتحفظ عليه الأخيرة، بحسب المصادر الروسية، فيما تصعّد الولايات المتحدة الأمريكية وتهدّد روسيا بتعليق التعاون معها بشأن "حلب"؛ هذه المعطيات -فيما يبدو- هي السبب الرئيسي للإجهاز على المعابر، والقضاء على أحلام روسيا والنظام في استعادة السيطرة على سوريا كاملة، وتلويح بورقة "الأكراد" ومنحهم دولتهم المستقلة، والتي تعدّ الورقة الرابحة التي يمتلكها الأمريكان.
وفي الوقت ذاته، بعد فرض سيطرة "الجيش الحر" المدعوم تركياً على "جرابلس" ومحيطها، إبان عملية "درع الفرات" ورفع علم تركيا في ساحاتها، كون تركيا هي من تشرف على أعمال إعادة الإعمار، وتزود المنطقة بالخدمات الأساسية اللازمة .
كل هذه القضايا، بالتقاطع مع الوثائق التي نشرتها روسيا، حول تفاصيل اتفاقها مع أمريكا، توضح أن ثمة تفاهمات قد حسم أمرها فيما يتعلّق بمستقبل سوريا، لتأتي الخارطة على الشكل الذي يرضي الجميع.
حول الخارطة الجديدة لسوريا، في ظل التطورات الأخيرة، يقول الباحث السياسي في مركز حرمون " أحمد الرمح": "حول مسألة استهداف الجسور، فليست هذه هي المرة الأولى. من يتابع الخارطة السورية، يلاحظ أنها باتت مقطعة الأوصال، فهنالك منطقة جنوبية في منطقة درعا وما حولها، وتتبع في قرارها إلى الأردن بشكل كامل، وهنالك المنطقة الساحلية التي أعطيت للنظام يفعل بها ما يحلو له، وهنالك إجماع دولي على ذلك". كما يلفت "الرمح" إلى أنه "هنالك المنطقة الشمالية الغربية وتتبع في قرارها لتركيا، والمنطقة الشمالية الشرقية، تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، وهناك المنطقة المتنازع عليها وهي المنطقة الشرقية، وأخيراً لدينا حلب، وبموجب الاتفاق فهي ستذهب للنظام، ما يعني أن أمريكا قد تاجرت بنا في كل شيء، وستتغير الأمور لاحقاً".
في السياق ذاته، يؤكّد الباحث "أحمد الرمح" أن "عملية قصف جسري الميادين والعشارة، لا ينبغي قراءتها على أنها إكمال لملامح التقسيم فقط، بل هي كذلك إيذان بنهاية (داعش)، وربما يتم الهجوم على المنطقة الشرقية من محورين: المحور الشمالي الشرقي وستقوم به قوات "درع الفرات"، وقوات أخرى يجري تدريبها، وربما يكون هنالك تقدّم لقوات سوريا الديمقراطية". ويرى "الرمح" أنه "بهذه الطريقة تكون سوريا قد باتت مقسمة بالفعل، ولكن هذا لا يعني أنها ستصبح عبارة عن دويلات، بل ربما تذهب نحو (فيدرالية)".
وحول الموقف الدولي من هذا السيناريو، وموقف "ديمستورا" من سيناريو "الفيدرالية" يرى الباحث "الرمح" أنّ "رؤية المجتمع الدولي وديمستورا تذهب باتجاه تبريد كلّ هذه المناطق، لتبقى هنالك منطقتان مشتعلتان، وهما المنطقة الشرقية (الرقة وامتدادها) لطرد (داعش)، وإدلب بعد أن اتخذ قرار دولي بالإجماع، يهدف إلى إنهاء (جبهة النصرة)".
ملفات كثيرة يعمل المجتمع الدولي على تقديم خدمات مجانية لروسيا وحلفائها فيها، على حساب الشعب السوري، فيما يرجح كثيرون أن "كيري" و"لافروف" هما عرابا "سايكس- بيكو" القرن الحادي والعشرين، بعد مضي قرابة المائة عام على الاتفاقية السابقة وبطلان صلاحيتها!